Author

من سيربح ومن سيخسر من غرامات الأراضي؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
قبل أن أجيب عن سؤال المقال، يتسع لدى عموم أفراد المجتمع العديد من الأسئلة، من أهمها: 1) هل سيتم تطبيق غرامات الأراضي السكنية الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات على الجميع دون استثناء، أم أن هناك من سيستثنى منها؟ 2) هل هو صحيح أن بإمكان تجار التراب نقل تكلفة تلك الغرامات على حساب المشتري الأخير للأرض؟ 3) هل سيؤدي فعليا فرض تلك الغرامات إلى تصحيح الأسعار المرتفعة جدا للأراضي، كما تستهدف وزارة الإسكان؟ أم أنه على العكس تماما، سيؤدي إلى ارتفاعها أكثر من قبل كما يؤكد عليه تجار التراب في كل مقام يتم مناقشة هذا الملف؟ 4) إن حدث فعليا وارتفعت أسعار الأراضي كما يؤكده الرافضون لتوجه وزارة الإسكان بفرض غرامات، هل لدى الوزارة الخطط البديلة للتعامل مع هذا السيناريو المخيف إن حدث؟ وماذا ستفعل لدرء أخطاره الكبيرة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها، يعد طرحها والتفكير فيها أمر مشروع للجميع، ولا أتذكر أن شأنا اقتصاديا محليا استقطب هذا الاهتمام من قبل أفراد المجتمع كافة كهذا الملف! ذلك أنه يتدخل بكل ما تحمله هذه الكلمة من مؤثرات في تحديد مصير ومستقبل كل فرد وكل أسرة، كيف لا؟ وهو الملف الذي يتمحور حول أهم مرتكزات استقرار أي مجتمع في أي بلد، ممثلا في السكن. دع عنك غرابة أن يواجه مجتمع كالمجتمع السعودي أزمة كهذه الأزمة التنموية، في ظل اتساع مساحة بلادنا التي تعادل مساحة إنجلترا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال مجتمعة، بلغ تعداد سكان تلك الدول بنهاية 2013 نحو 327 مليون نسمة، مقابل تعداد سكاني للمملكة سعوديين وغير سعوديين بنهاية العام نفسه لا يتجاوز 30 مليون نسمة! ويصدمك أكثر؛ أن أيا من تلك الدول رغم كثافة عدد سكانها وصغر مساحتها مقارنة بالمملكة، لا يوجد فيها حتى 1 في المائة من أزمة الإسكان التي تواجهها بلادنا في الوقت الراهن! لعل ما تقدم يبين للقارئ الحصيف أي نوع من الأزمات التنموية نحن في مواجهته، وأن ما يدور رحاه اليوم بين تأييد لفرض الغرامات على الأراضي السكنية الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات أو رفضٍ له، ليس إلا قشة في حطام أكبر من أزمة ثبت بلغة الأرقام أنها مفتعلة من رأسها إلى أخمص قدميها، وأن الأسباب التي أدت إلى افتعال وجودها لو أنها لم توجد من الأصل، لما وجدت مواطنا واحدا لديه أي معاناة تذكر في خصوص بحثه عن مسكن يتملكه، لا أن يصل به الحال كما هو قائم في الوقت الراهن، فيعجز تماما مهما بلغ دخله وقدرته على الاقتراض عن تملك مجرد قطعة أرضٍ محدودة المساحة، ولا أقول وحدة سكنية جاهزة للسكن. الآن؛ يمكن القول إن الإجابة الدقيقة عن الأسئلة التي أوردتها في مقدمة المقال، ستبيّن لك في مجموعها الإجابة عن السؤال الرئيس للمقال: من سيربح ومن سيخسر من غرامات الأراضي؟ ولنبدأ معا بالإجابة عنها بالترتيب أعلاه. 1) إذا تم تطبيق تلك الغرامات على الجميع دون استثناء لأي كائن من كان استحقت عليه الغرامة، و2) وضعت في لائحة الغرامات الآليات الكافية لمنع تجار التراب من نقل فاتورة الغرامات إلى المشتري الأخير، و3) وتم تطبيق اللائحة بشكل حازم كما أعلنت عنه وزارة الإسكان في وقت سابق، ونجحت في التصدّي لعمليات التدوير الوهمي للأراضي، بما يحقق الهدف النهائي من فرْض الغرامات، و4) ونجحت وزارة الإسكان بتعاون بقية الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، في تجاوز أية آثار عكسية لفرض الغرامات. أقول في حال تحققت كل تلك الشروط مجتمعة دون أي تأخر أو تعطل لأي من الشروط الأربعة أعلاه، فإن الرابح الأكيد هو الاقتصاد الوطني والمجتمع، فيما سيكون الخاسر الوحيد وحامل غرم تلك الأراضي هو كل ما احتكر أرضاً دخلت في نطاق الأراضي السكنية الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، التي حددّتها لائحة الغرامات! أما في حال تم اختراق أي من تلك الشروط اللازمة مجتمعة، فعليك أن تتوقع نتائج معاكسة لكل ما تعمل عليه وزارة الإسكان، وعليك أن تتأهب لما هو أعنف من أزمة الإسكان الراهنة، وهو ما لا يتمناه أي طرف من الأطراف ذات العلاقة بهذا الملف، سواء كان مع فرض الغرامات أو حتى ضدها. أمامنا منعطف تاريخي بالغ الأهمية، وعليه يقف مصير ومستقبل مجتمع بأكمله، بما فيه مصير الأجيال القادمة من بعدنا، إن فشلنا في تجاوزه لأي اعتبار كان، فلن يقف دفع ثمنه الباهظ عند الجيل المعاصر من السعوديين، بل سنظل ندفعه أضعافاً مضاعفة إلى أجل لا يعلمه إلا الله - عز وجل. وإن نجحنا في تجاوزه كما يؤمل، فسنجني ثمرته ومعنا بقية الأجيال القادمة، وهو ما لا يختلف على ضرورة تحققه اثنان. يقتضي المنطق السليم في إطار مواجهة هذه التحديات التنموية الجسيمة، أن تمنح وزارة الإسكان وغيرها من الأجهزة على خط المواجهة مع تلك التحديات الصلاحيات الكاملة، والدعم الكافي أيضا، حتى تتوافر لها اشتراطات ومتطلبات الوفاء بمهامها ومسؤولياتها، وأن وضع أية قيود أو استثناءات يمكن أن تحدّ من حرية قيامها بمسؤولياتها ومهامها تلك لأي مبرر كان، أنه سيكون مفضيا إن اليوم أو غدا لسقوطها في الفشل الذريع، وسيسقط تبعاً لها الاقتصاد الوطني والمجتمع في القيعان ذاتها ـــ لا قدّر الله. لقد رسمت وزارة الإسكان طريقا لإخراج المجتمع والاقتصاد من أزمة ثبت أنها مفتعلة، وأخذت الوزارة في اعتبارها أنْ نجاحها في أداء تلك الرسالة الوطنية، جزءُ كبير منه يقوم على ضرورة القضاء على الأسباب والعوامل التي أدت إلى افتعال تلك الأزمة التنموية، دفع خسائرها أغلب أفراد المجتمع، فيما صنع منها ثروات طائلة حفنة من الأفراد لا تتجاوز نسبتهم 1 في المائة من عدد السكان، وأن ديمومة مثل هذه النماذج الاقتصادية الخطيرة الخلل، سيؤدي دون أدنى شك إلى نهايات غير محسوبة العواقب، أقل ما يمكن قوله عنها إنّها كارثية. إصلاح ومعالجة هذه العثرة التنموية بكل اختصار؛ هو الغاية النهائية لولي الأمر ومعه كل أفراد المجتمع، وأن يتم تحقيقها بالكامل دون أية مساومات حولها. وأنّ أي فرد مهما بلغ وزنه ماديا أو اجتماعيا قد يكون لديه ما يتعارض مع تحقق تلك الغاية الوطنية العظمى، قد يرى تأجيلها، أو تعطيلها، أو التدخل بأي أمر قد يعيق جزءا منها أو كلّها، فإنّه ولا شك يرى أن مصلحته الضيقة أهم من تحقق المصلحة العامة المتمثلة في هذه الغاية الوطنية، التي اتفق عليها ولي الأمر والمجتمع، ولا يظن أبدا أن من يحمل مثل التوجه المخالف لرغبة مجتمع بأكمله يتقدمهم ولي أمرهم، أنه يحمل ذرة حب وولاء لوطنه، هذا مبدأ ثابت قام وتقوم عليه حياة الشعوب، يبقى إسقاطها بدقة وعلم على تفاصيل المتغيرات الحياتية محصوراً في فكر العقلاء والعلماء من الأمة، ذكورا كانوا أو إناثا، ومن تلك المتغيرات ملف هذه الأزمة، فهل من شك حول استمرار حياتها وما يمثّله من خطر علينا؟ أم نحزم أمرنا ونرحب بدوائها المرتقب. والله ولي التوفيق.
إنشرها