Author

ضرائب مقابل الجنسية

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«أن تحب بلداً واحداً شيء رائع. لكن لماذا يقف حبك عند حدوده؟» بابلو كاسالاس - موسيقي إسباني شهير لا أعرف طبيعة مشاعر أولئك الذين يتخلون عن جنسياتهم طواعية. فهي في النهاية تتبع أوطانا لا حكومات. وأياً كانت الأسباب، أحسب أن قراراً كهذا ليس سهلاً على من يتخذه. ولا شك في أن تخلصهم من أوراق الجنسية وروابطها، لا يزيل عندهم المشاعر العاطفية الصادقة تجاه أوطانهم. والأمر يبقى أسهل عندما تتعدد الخيارات أمام الراغب في التحول عن جنسيته. وهو ليس كذلك بالنسبة لمن لا يكون له خيار آخر. وفي كل الأحوال، إنها مسألة معقدة، تنساب في سياقها عوامل كثيرة، بعضها عاطفي وبعضها الآخر مادي، وشيء من الجغرافيا، وشيء آخر من الضرورات. وإذا ما كان الجانب المادي الأقوى، فإن الأمر يبدو أسهل على أولئك الذين أرادوا العيش بجنسيات أخرى غير تلك الأصلية التي حملوها منذ الولادة، أو اكتسبوها لاحقاً. لم يسبق أن شهدت الولايات المتحدة هجوماً شرساً على مواطنيها المتهربين من الضرائب. فإدارة باراك أوباما أعلنت الحرب فعلاً على هؤلاء، على الساحتين المحلية والخارجية. وهي ماضية حتى النهاية للحصول على آخر دولار ممكن من أي أمريكي على وجه الأرض، يحصل على دخل مالي يستوجب الضريبة. الحرب، شملت كل المصارف الأجنبية في المرحلة الراهنة، في وقت يبحث فيه المشرعون الأمريكيون أفكاراً لملاحقة مواطنيهم حتى خارج المصارف، أي عبر أماكن عملهم. ورغم صعوبة ذلك، فإن التشريعات يمكن أن تظهر على السطح في مرحلة لاحقة، ويمكن أن تلقى قبولاً من المؤسسات المستهدفة نفسها. فالمصارف رضخت (بعد مقاومة شديدة) لمشيئة المشرعين الأمريكيين، وفتحت ملفاتها السرية أمامهم، خوفاً من عقوبات وغرامات لا تقوى عليها. أن تكون أمريكياً وتعمل في الخارج، عليك أن تدفع الضرائب، حتى لو كنت لا تستفيد من الخدمات التي توفرها بلادك. فمجرد الانتماء يستوجب الضريبة. كان الأمريكيون العاملون في الخارج يجدون في المصارف الأجنبية ملاذاً آمناً لثرواتهم، بصرف النظر عن حجمها. لكن البنوك المركزية في غالبية بلدان العالم، وافقت على طلبات الإدارة الأمريكية، بفرض قوانين على المصارف بفتح ملفاتها وجداولها لواشنطن. في أوروبا في أمريكا اللاتينية في الخليج العربي، في غالبية المناطق حول العالم، باتت نسخة من حساب الأمريكي في حوزة مصلحة الضرائب الأمريكية، وعليه أن يدفع الضريبة، وغالبية هؤلاء الأمريكيين يتمتعون بمداخيل مرتفعة في الخارج. وبعيداً عن تفاصيل الإجراءات، فإن أي أمريكي يحصل على دخل سنوي يصل إلى 50 ألف دولار خارج البلاد، عليه أن يدفع الضرائب، حتى لو كان يعمل في كوكب آخر. لا مجال للفرار من هذه الاستحقاقات الشرسة، سوى بالتخلي عن الجنسية الأمريكية. غير أن هذا الأمر ليس سهلاً، لأن من يرغب في ذلك، عليه أن يكون ضامناً لنفسه جنسية بلد آخر. وقد نشط في الآونة الأخيرة حراك ما يمكن تسميته "بيع الجنسيات". فنظام منح الإقامات الذي اتبعته بعض الدول (بما في ذلك عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي)، لا يعفي الأمريكي من الضريبة. كما أن الحصول على إقامة دائمة يتطلب إدخال أموال تراوح بين 250 ألف ومليون دولار. ولا حل أمام الراغب في الهرب من الضريبة سوى الحصول على جنسية أخرى، وهذه الأخيرة ليست عالية التكلفة، كما قد يظن البعض للوهلة الأولى. هناك بلدان تمنحها بعدة آلاف من الدولارات فقط. السلطات الأمريكية أسرعت لسن قانون جديد يرفع رسوم التخلي عن الجنسية بمعدل خمسة أضعاف عما كانت عليه في السابق. من 450 إلى 2350 دولاراً. وهو في النهاية مبلغ مالي بسيط بالنسبة لمن يخطط للهروب من ضرائب بلاده. وبحسب السجلات الأمريكية، فقد ارتفع عدد الذين تقدموا بطلبات للتخلي عن جنسياتهم بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، وهو مرشح للارتفاع في المرحلة المقبلة. فحماية الثروات الشخصية، أهم بالنسبة لهؤلاء من انتماء وطني رسمي. وهم يعتبرون أنفسهم وطنيين، وغير متهربين من الضرائب، طالما أنهم يعيشون ويجنون أموالهم في الخارج. وهذه نقطة قابلة للجدل. لأن الوطنية أيضاً، أن تكون مساهماً في دعم الموازنة العامة لبلادك. فالمسألة لا تتعلق فقط بالضرائب مقابل خدمات تحصل عليها، بل تشمل أيضاً خدمات تقدم لشرائح أخرى مستحقة من مواطنيك. لقد ساهمت "حرب أوباما" على صعيد الضرائب ببعض النتائج السلبية. في مقدمتها حرمان البلاد من أموال أولئك الأمريكيين الأفراد، بعد أن اعتمدت شركات عديدة من المستويين الكبير والمتوسط، أسلوباً خطيراً للهروب من ضرائب أوباما. لقد قامت هذه الشركات بالاندماج بمؤسسات أجنبية، وجعلت مداخيلها خارجية مرتبطة بمؤسسات غير أمريكية. إنها عملية احتيال واضحة لكل الأطراف، ولكن أحداً لا يستطيع إيقافها. وإذا كانت مثل هذه العمليات تجارية منفعية بحتة، فإن الأمر ليس كذلك تماماً في حالة الأفراد. فخطوات هؤلاء بالتخلي عن جنسياتهم لها شقها العاطفي المباشر، وهي تؤثر بصورة أو بأخرى في حياتهم الأسرية، وفي مرحلة لاحقة، تؤثر في مشاعر الانتماء عند أطفالهم.
إنشرها