Author

الاستثمار الأجنبي تحت المجهر

|
أصدرت هيئة السوق المالية أخيرا مسودة لائحة الاستثمار الأجنبي الجديدة. ونحن إذ نذكر ذلك نشيد بالفترة التي خصصتها الهيئة لاستطلاع الآراء والانطباعات من قبل المختصين حول محتوى اللائحة. وكنا نتمنى أن تجيب الهيئة قبل إصدار هذه اللائحة على سؤال جال في عقول الكثيرين عن الفرق بين الاستثمار الأجنبي في ظل اتفاقيات التبادل، وبين مسودة اللائحة بشكلها الحالي، مع العلم أن الإحصاءات الرسمية خرجت علينا بنتائج أقل ما يقال عنها أنها لا تبعث على التفاؤل، إذ إن الاستثمارات الأجنبية جراء تلك الاتفاقيات لم تصل إلى النسبة المأمولة، ورغم أن الآلية اختلفت كثيرا بإقرار هذه القواعد كان ينبغي على الأقل توضيح ذلك للمستثمرين، في إطار خطط الهيئة لرفع الوعي بين المتداولين بالسوق المالية. وقبل الدخول في التفاصيل بخصوص اللائحة الأخيرة ينبغي أن نوضح أن هذه اللائحة تنظيمية لدخول الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي يجب أن تحتوي على المواد التي تضمن الحفاظ على أداء متوازن للسوق الذي ينعكس على أداء الاقتصاد الوطني وكذلك على تطوير وتعزيز مبدأ الاستثمار المؤسسي وتحسين جودة الاستثمار كأهداف استراتيجية معلنة على المدى البعيد. وبالمرور على اللائحة، نجد أن المشرع عكف على وضع المواد التنظيمية بما يضمن تحقيق الأهداف أعلاه، إلا إننا نلاحظ بعض المواد التي يكتنفها الغموض والتي تحتاج إلى المزيد من التفسير والتفصيل، حتى لا تفتح باب التأويلات المختلفة التي من المؤكد أنه سيكون لها تأثير سلبي في المتداولين في السوق، فضلا عن جذب الاستثمارات الأجنبية. تحدثت اللائحة في مادتها الثالثة عن الإعفاء، ونصت على امتلاك الهيئة صلاحية إعفاء المستثمر الأجنبي من التطبيق الكامل أو الجزئي لهذه القواعد. وتعتبر هذه المادة إضافة إلى المادة 21 من أشد المواد إثارة للجدل بين أوساط المختصين والمعنيين على مدى الأسابيع القليلة الماضية. ولا عجب في ذلك، فمثلا لم يتم توضيح الإجراء المتبع في حال تجاوزت نسبة تملك الأجانب الإجمالية حاجز الـ 10 في المائة، فمن الممكن أن تكون الارتفاعات المصاحبة لتوزيعات الأسهم أحد أسباب تجاوز نسبة الـ 10 في المائة، وماذا إذا أراد المستثمر أن يشتري المزيد من الأسهم ليقوم بتعديل سعر الشراء، ماذا إذا مر سهم ما بحالة من النشاط الكبير وأراد المستثمر الأجنبي شراء المزيد، في كل من تلك الحالات سيكون الجواب بأن المستثمر لا يمكنه الشراء فنسبة الـ 10 في المائة قد تم بلوغها. وكيف ستكون ردة فعل المستثمر الأجنبي إذا ما حصل ذلك؟ وفي السياق نفسه، ماذا إذا أراد المستثمر حضور الجمعية العمومية العادية أو غير العادية، هل يمكن ضمان حصول المستثمر أو وكيله على تأشيرة لحضور تلك الاجتماعات، هل تم التنسيق مع الجهات المعنية حول هذا الخصوص؟ كلها تساؤلات ملحة تنتظر الإجابة. ولماذا لم تقم الهيئة ورشة عمل تدعو فيها العديد من أصحاب المصالح المختلفة من أكاديميين واقتصاديين عاملين، وحتى ممثلين لشركات استثمار أجنبية للاستماع إلى آرائهم وتطلعاتهم. ففي النهاية إن كنا نريد جذب الاستثمارات الأجنبية فعلينا أن نسمع من أصحاب الاستثمارات أنفسهم أو من يمثلهم. أليس اللغط الكبير جراء هذا الإعلان في حد ذاته سببا في تردد المستثمر الأجنبي الذي يعتبر الأمان الاستثماري، أحد أهم المبادئ التي يبني عليها قراراه الاستثماري؟ فأمان الاستثمار يأتي قبل جودة وجاذبية الاستثمار نتيجة الأسعار الحالية في السوق. ولا يمكن للمستثمر الأجنبي الذكي سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي الاستثمار في ظل وجود غيمة كبيرة من الغموض حول بعض الأنظمة أو القواعد، فاللائحة بشكلها الحالي ما هي إلا مجموعة من القواعد التي يمكن تغييرها بين الحين والآخر، وهل من تعود على أداء الأسواق الأكثر كفاءة وشفافية تشريعية قادر على التداول في سوقنا بوضعها الحالي؟ على الأقل دعونا لا نغفل الخطوة التي أصدرتها الهيئة في الاتجاه الصحيح، وهي طرح القرار كمسودة قبل طرح القواعد بشكل نهائي، ولنأمل أن تأخذ الهيئة جميع الملاحظات من قبل المختصين وغيرهم على محمل الجد حتى تعزز على الأقل مبدأ التشريع المسؤول.
إنشرها