Author

هل الفجوة المنطقية من أسباب التخلف؟

|
مستشار اقتصادي
المراقب للدول التي لم تستطع التقدم سرعان ما يلاحظ الفجوة بين التماثل في وجود المؤسسات الإدارية ومثيلاتها في الغرب من ناحية، وبين تسلسل وتركيبة السلطة الرسمية وغير الرسمية بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة من ناحية. هذا التماثل يجعل الجميع يطالبون مؤسساتنا بدور مماثل ولكنه غير ممكن. ما يمكن في السويد لا يمكن في المملكة أو الجزائر على سبيل المثال. بحبوحة العيش والرضا الاجتماعي في السويد ليست بسبب الحكومة، أو أن فقر وعناء الجزائريين بسبب الحكومة (طبعا للحكومة دور)، ولكن توزيع الأدوار الخاطئ يبعدنا عن تحليل وتشخيص للحالة والعمل عل حلول ناجعة. السبب الرئيس في الاختلاف يعود إلى طبيعة السلطة، وسلاسة العلاقة بين هذه الأطر ومفاهيم السلطة المستقرة لدى السويديين، بينما أنماط هذه العلاقة في الجزائر غير سليمة. فالجزائري يأتي إلى هذه المؤسسات حاملا معه تسلسلا سلطويا غير واضح وغير مستقر (غير مبني على العقلانية والقانون). الجزائري في حالة تشكل أنماط تصرفاته، ولكن للحكومة دور محدود في هذه التصرفات. أداء هذه المؤسسات ينبع من تصرفات الأفراد ومحصلاتها الجمعية، وليس من الهياكل الإدارية. تحاول المؤسسة الجزائرية المماثلة للسويدية التصرف باحترافية، ولكن الماكينة مختلفة وغير سليمة في الجوهر. في قلب الماكينة الغربية ما ينسب لعالم الاجتماع الألماني ماكس وبر عن البيروقراطية المبنية على العقلانية والقانون. استطاعت الجزائر كغيرها من دول العالم الثالث تأسيس الهياكل الإدارية، ولكنها لم تستطع تفعيل الماكينة عقلانيا أو قانونيا؛ لأن المجتمع يعيش طبقا لنسق علاقات أخرى. فالمنظومة الأبوية قبلية أو هرمية سلطوية أو دينية لا تأخذ بالعقلانية العلمية ولا بالقانون كأساس لتفعيل حركتها الداخلية. ابتعادها عن العقلانية والقانون يبعدها عن الكفاءة والجدارة، وبالتالي لا تستطيع مجاراة الغرب أو من أخذ بالعقلانية والقانون. البديل لضعف هذه الهياكل هو تنامي توزيع المصالح والمنافع بناء على أنماط السلطة في المجتمع. ثبات توزيع المنافع والمصالح يعطي المجتمع درجة من الاستقرار، ولكنه لا يعطيه تقدما. لذلك تجد الجزائر لم تتقدم قبل وفي أثناء وبعد الاحتلال الفرنسي. كذلك أصبح العراق أكثر فسادا بسبب نهم النخبة الجديدة جزئيا، ولكن الأهم أن الاحتلال الأمريكي والمؤسسات الديموقراطية الجديدة لم تستطع تغيير المجتمع. للنخب دور مهم، ولكن الإشكالية في تفاعل الأفراد المنتخبين وغير المنتخبين الذين ينادون بالتغيير، ولكنها لم تقاوم أي انغماس في تسلسل سلطوي لم تستطع القوة الأمريكية تغييره. الجزائر، على سبيل المثال، تعرضت لهزات مجتمعية عنيفة بسبب اختلال التوازن في المصالح (الذي بدوره بسبب نهم النخب وقلة الموارد)، ولكن العنف لم يأت بسبب عدم التقدم، بل بسبب تناقص الموارد وظهور فئات جديدة خارج تسلسل السلطة المستقر، الإشكالية الأكبر أن عدم التقدم سيؤدي في الأخير إلى تآكل في أطر السلطة، ويصعب عمليات التوازن المجتمعية التي تسمح بحركة المال المتماشي مع أنماط السلطة الرسمية وغير الرسمية. هذه الجدلية تجعل إدارة التحول من دولة عرفية إلى دولة حديثة صعبا ويحمل مخاطر. ما الحل؟ للنخب في الحكومة وخارجها دور مؤثر، خاصة في أثناء المنعطفات التحولية. تحلي النخب بالمسؤولية والنظرة البعيدة والتعاون مع الحكومة لغربلة المؤسسات محدد رئيس. وهذا بدوره يبعث على الحاجة إلى القدوة الصالحة من النخب في الشجاعة في كسر الأنماط التقليدية للسلطة، كي تقوى المؤسسات وتصبح على مسافة من النزعات الفردية من ناحية، وتبتعد عن خريطة القوى السياسية العرفية قدر الإمكان.
إنشرها