Author

لو قررتم الانفصال .. اتركوا الاسترليني

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"أنا وليام ووليس، هيا انتشروا، عودوا إلى إنجلترا، وأبلغوهم هناك، أن اسكتلندا باتت حرة". وليام ووليس - قائد حرب الاستقلال الاسكتلندي هذا الشهر يحمل للمملكة المتحدة تحولا تاريخيا قد يحدث وقد لا يحدث. ولكنه في النهاية يهز هيكلية هذه المملكة التي كانت يوماً أعظم الممالك وأقواها. هذا التحول سيندرج في التاريخ بصرف النظر عن نتائجه. وهي نتائج ستكون إيجابية لفريق وسلبية لآخر. في الثامن عشر من هذا الشهر، سيصوت سكان مقاطعة اسكتلندا، إما لبقاء المقاطعة ضمن جسم المملكة المتحدة، أو الانفصال عنها، بعد أكثر من ثلاثة قرون على معاهدة الاتحاد التي ضمت مملكة إنجلترا (التي تشمل ويلز) في اسكتلندا في العام 1707. وقتها، صادق برلمانا إنجلترا واسكتلندا على هذه المعاهدة، لتقوم مملكة بريطانيا العظمى، التي أضحت لاحقاً المملكة المتحدة بضم أيرلندا الشمالية إليها. وعلى الرغم من أن اسكتلندا حصلت في العقدين الماضيين على مزيد من الاستقلالية في صنع القرار المحلي، بما في ذلك إنشاء حكومة محلية فيها، إلا أن التيار الانفصالي الذي يقوده أليكس سالموند حصل على دفعة لافتة، إن لم تكن قوية، للمضي قدماً باتجاه الانفصال الكلي عن المملكة. فالمشاعر القومية تبقى محركاً فاعلاً في هذه المقاطعة الشمالية، تماماً مثلما هو الحال في أيرلندا الشمالية، التي خاضت حرباً دائماً على مدى قرن من الزمن مع إنجلترا من أجل الاستقلال، أو بالأحرى من أجل الاتحاد مع جمهورية أيرلندا. والأمر ليس بهذه القوة على صعيد مقاطعة ويلز، التي أثبتت على مر القرون، أن قوميتها ليست متطرفة حيال إنجلترا، ربما لأن التداخل بين المقاطعتين ظل أكبر منه بين اسكتلندا وأيرلندا الشمالية. لكن ليس كل الاسكتلنديين يؤيدون الانفصال، الذين يؤدون البقاء يعتقدون أن ما حصلت عليها إدنبرة من استقلالية سياسية، يكفي لإرضاء المشاعر القومية. وأكثر من ذلك يكون الأمر صعباً بل ومرفوضاً. الحكومة المركزية في لندن، لم تتوقف عن التحرك من أجل توجيه الاستفتاء المنتظر نحو البقاء، وهي تعدد المغريات الكثيرة، لاسيما الاقتصادية منها. الوظائف، الجنيه الاسترليني، الدفاع، الاستفادة من مؤثرات وجود بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، كلها مزايا تسوقها حكومة ديفيد كاميرون، وتمد بها حملة "البقاء معاً أفضل" التي يقودها وزير المالية البريطاني - الاسكتلندي السابق ألستر دارلينج. الانفصاليون يؤكدون، أن الانفصال أفضل، ليس فقط لوجود النفط في المناطق البحرية الاسكتلندية، بل أيضاً لأن اسكتلندا المنفصلة تستطيع أن تلعب دورها على الساحة الأوروبية، حتى في ظل إشارات من الاتحاد الأوروبي بجدوى البقاء لا الانفصال. ومع أن أحداً لا يستطيع أن يجزم في أي الاتجاهين سيذهب الاستفتاء، فالتنازع بين الطرفين بدأ على الممتلكات بين لندن وإدنبرة. العاصمة البريطانية تصرخ، بأن الجنيه الاسترليني لن يكون عملة اسكتلندا المستقلة، في محاولة أخرى للضغط على الناخبين، بينما يرد رئيس الوزراء الاسكتلندي سالموند، بأنه يرغب ببقاء الاسترليني عملة لـ "اسكتلندا المستقلة"، ولكن إذا فشل في ذلك، فلا خوف. لأنه يعتقد، أنه بإمكان بلاده تولي سياستها الاقتصادية والمالية بنفسها. ومع تزايد نشاط الانفصاليين دعائياً قبل أيام من موعد الاستفتاء، بدأ المناوئون يرددون "تريدون الانفصال؟ انفصلوا واتركوا الجنيه الاسترليني". والحق أن العملة البريطانية تمثل حالة رمزية عميقة، مثلما تمثل حالة اقتصادية مالية محورية. وتبقى بالنسبة لأولئك الذين يريدون أن يبقى التاج البريطاني على رأس اسكتلندا، وسيلة ضغط أو مناكفة أو عقابا. ورابط الجنيه يتعلق بصورة أهم وهي مسألة الديون. فقد تعهدت وزارة المالية البريطانية بضمان قروض التاج البريطاني، والحصول من اسكتلندا "المستقلة" على حصتها في مدة يتفق عليها لاحقاً. غير أن عدم وجود وحدة نقدية، دفع القوميين الاسكتلنديين للتهديد بعدم تسديد حصتهم من هذه الديون. دون أن ننسى، أن عوائد النفط الاسكتلندي ليست كبيرة بما يكفي، لتوفير الموارد اللازمة لسد الدين العام. ورغم أن إجمالي الناتج المحلي لاسكتلندا، يماثل بصورة أو بأخرى مستويات دول مثل فنلندا وجمهورية أيرلندا واليونان، إلا أن الروابط التاريخية الاقتصادية والمالية التي تجمع لندن وإدنبرة، تجعل الأمور أكثر صعوبة على صعيد الاستقلال الاقتصادي التام. إنها مسألة معقدة، وتحمل مخاطر عديدة. فحتى الأوروبيون، سربوا أنه ليس من الضروري أن تمتع اسكتلندا المستقلة بعضوية سهلة في الاتحاد الأوروبي. الانفصاليون يعون بالفعل المخاطر الناجمة عن التنازع المالي مع لندن، ولهذا السبب اقترحوا ما يمكن أن يعتبر نوعاً من الوحدة النقدية مع المقاطعات المتبقية تحت التاج البريطاني، بإشراف بنك إنجلترا المركزي، وتحديداً على صيغة مشابهة للبنك المركزي الأوروبي. غير أن هذا لم يلق قبولاً (ولو نظرياً) من جانب الاتحاديين، الذين يصرون على أن يبقى الجنيه الاسترليني خارج جيوب الانفصاليين، كنوع من العقاب، إذا ما نجحوا فعلاً في الاستفتاء التاريخي هذا الشهر. لقد ضمن ديفيد كاميرون مكاناً بارزاً في التاريخ البريطاني، سواء انتصر الانفصاليون أم هزموا. وشكل البروز هنا يحدده البريق أو الظلام.
إنشرها