Author

جائزة الملك عبد العزيز للجودة.. والخروج من الأزمة

|
منذ أن انطلقت أول جائزة للجودة في العالم قبل 63 عاما في عام 1951، وهي جائزة بلد الجودة الأول اليابان وجائزة عالم الجودة الأول "ديمنج"، انطلقت معها سفينة الجودة تبحر في محيطات الجودة والتميز المؤسسي الشامل لتقوم بدور فاعل في تطوير البلدان اقتصاديا وتعليميا واجتماعيا. وقد تبعت جائزة اليابان بعد 37 عاما أمريكا فظهرت جائزة الجودة الأمريكية باسم وزير التجارة آنذاك "مالكوم بولدريج" في قصة تراجيدية وذلك عام 1978، وما لبث الأوروبيون إلا أن أطلقوا جائزتهم الشهيرة جائزة الجودة الأوروبية في عام 1991 التي تعارف عليها المختصون بـ EFQM، التي جمعت أشمل المعايير وأحسنها. ومن ثم تسابقت دول العالم في شتى أقطار الأرض بإطلاق جوائز الجودة الوطنية في بلدانهم، التي في الغالب بنيت على معايير إحدى الجوائز الثلاث السابقة أو دمج بعض معايير الجوائز كلها. ومن أشهر الجوائز الوطنية للجودة جوائز سنغافورة وأستراليا وكندا وجنوب إفريقيا عالميا، وأما عربيا فجائزة الأداء الحكومي المتميز في دبي، التي انطلقت عام 1994 وكان لها الأثر الكبير في تميز دبي ومنظماتها الحكومية. هذا وقد تجاوز عدد جوائز الجودة الوطنية في العالم أكثر من مائة جائزة. وأما بلادنا الغالية فليست بدعا من الدول في رغبتها في تطوير القطاعين الحكومي والخاص فكانت مثل غيرها من البلدان بتبني مجلس الوزراء الموقر للجودة الموافقة على إطلاق جائزة الملك عبد العزيز للجودة في أواخر عام 1420هـ، إلا أنها وبسبب الظروف البيروقراطية كادت أن تؤدي إلى وأد الجائزة في مهدها إلى أن قيض الله لها بعض المخلصين من خبراء الوطن ومحبي الجودة وعلى رأسهم محافظ هيئة المواصفات والمقاييس السابق المهندس نبيل ملا، الذي نجح في إطلاق الدورة الأولى عام 1428هـ وسط تفاؤل كبير وحماس ورغبة وطنية صادقة، ثم تمت بحمد الله الدورة الثانية عام 1431هـ وسط قلق من المحبين ظهرت نتائجه جلية في الدورة الثالثة، التي أطلقت في ذي القعدة 1432هـ، حيث للأسف قد غرقت سفينة الجائزة في بحر الدورة الثالثة وأدخلت العناية المركزة بعد غصتها بلقمة قطاع التعليم الذي أدرج بدون تخطيط، فالتعليم ومنشآته أكبر من حجم إدارة الجائزة المعدودة والمحدودة في أفرادها وقدراتها ومواردها المالية. ومنذ ذلك الحين بقيت الجائزة ممدة في غيبوبة -الله أعلم متى ستفيق منها- وسط حزن وإحباط محبيها والمهتمين بها، وذلك لأننا كنا نحلم.. فبماذا كنا نحلم؟ ولماذا الحزن والإحباط؟ نعم.. كنا نحلم أن تنشر الجائزة الوعي بالجودة وأهمية تطبيقها. وكنا نحلم بأن تقوم الجائزة بتحفيز القطاعات الخاصة والعامة لتبني مبادئ وأسـس الجودة الشاملة وتطبيقها على المستوى الوطني. وكنا نحلم أن تعمل الجائزة على رفع مسـتوى الجودة في القطـاعات الصناعية والخدمية لتصبح قادرة على المنافسة العالمية. وكنا نحلم أن ترتقي الجائزة بمستوى القيادات الإدارية في المنشـآت لتحقيق أهداف الجودة الشاملة والوفاء بمسـؤولياتها، زيادة فاعلية مشـاركة المنشـآت في بناء وخدمة المجتمع، وكنا نحلم بأن تنجح الجائزة في بحـث المنشآت على الالتزام بالمواصفات والمقاييس الوطنية والدولية. وكنا نحلم أن تقوم الجائزة بتكريم أفضل المنشـآت الوطنية ذات الأداء المتميز التي تحقق أعلى مسـتويات الجودة التكريم الذي يليق بها، فلم يحدث من ذلك إلا النزر اليسير والثمرة التي لم تنضج بعد.. فحصل الحزن والإحباط.. لأن الجائزة لم تحقق أهدافها تجاه الاقتصاد الوطني من حيث: - زيادة الوعي بالجودة بين المنشآت. - إدخال أساليب العمل الحديثة التي تؤدي إلى تحقيق التميز. - تبادل المعلومات حول استراتيجيات الأداء الناجحة. - تحسين الموقف التنافسي للمنشآت السعودية. - وبالتالي زيادة الصادرات من السلع والخدمات السعودية. لست متشائما يا سادة.. ولكنني مطلع تماما ومتابع ومحلل لوضع ومستوى الجودة في بلادنا الغالية -على الأقل- منذ عقد من الزمان، فحالها لا يسر المحبين والمختصين والمهتمين ومع ذلك كله فما زلت على أمل وأمل كبير بالتصحيح والتغيير وتفعيل هذه الجهود والقرارات المباركة.. إذا تحقق -من وجهة نظري- ما يلي: أولا: اهتمام دائم ومتابعة عليا من مجلس الوزراء الموقر ومجلس الشورى ومساءلة دائمة في حالة عدم تحقيق النتائج المرجوة والأهداف المحددة على الرغم من مرور 15 عاما منذ صدور قرار إنشائها. ثانيا: تبني وزير التجارة الموقر للجائزة تبنيا حقيقيا وتأسيس جهة مختصة ورسمية كمركز حكومي متخصص لإدارة الجائزة كما هو حاصل في دولة الأردن الشقيقة، وأن يجعل لها مقرا يليق بها، وأن ترتبط مباشرة بالهيكل التنظيمي للوزارة ولا تكون تحت مظلة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة التي نجحت مشكورة في إطلاق دورتيها الأولى والثانية ولكنها للأسف فشلت في استدامة نجاح الجائزة والاستمرار في إدارتها. هذا وقد علمت من عدة مصادر أن مسؤولية إدارة الجائزة ستنتقل للجمعية السعودية للجودة وهذا -على الأقل في الفترة الحالية- خطر على الجائزة وغير مناسب لها خاصة أن الجائزة أكبر عمرا من الجمعية الفتية التي لم تقف بعد على أقدامها، ولا نشك أن متطلبات الجائزة ومسؤولياتها الكبيرة ستعيق الجمعية عن أداء مهامها وأدوارها الرئيسة المنوطة بها في نشر ثقافة الجودة وتطبيقاتها. ثالثا: نظرا للتكاليف المالية العالية المترتبة على إدارة الجائزة وتقييم المتقدمين لها وتفعيل الحملات الإعلانية والتوعوية المرافقة، فيجب وضع ميزانيات خاصة بها وكافية، وأن يكون اشتراك المنظمات المنافسة مجانا، حيث إن رسوم الاشتراك كانت مبالغا فيها فأصبحت عائقا أمام مشاركة المنظمات وبالذات في القطاع الحكومي. رابعا: رفع مستوى التكريم للمنظمات الوطنية الفائزة لمستوى يليق بالجائزة التي تعد الأهم في قطاع الأعمال في المملكة خاصة أنها باسم المؤسس وذلك عندما يتشرف الفائزون بالجائزة بتسلم دروعها من يد خادم الحرمين أو ولي عهده الأمين كما هو في بقية جوائز الجودة العالمية كجائزة "مالكوم بولدريج" الوطنية للجودة في أمريكا. خامسا: إلزام وتحفيز جميع المنشآت الوطنية على المشاركة والمنافسة على الجائزة بأن يكون نظام دورة منح الجائزة -حتى تؤتي ثمارها- بصورة دورية ثابتة سنوية وبدون توقف، حيث تكون سنة للقطاع الخاص وسنة للقطاع الحكومي. إنني على أمل كبير في أن الجائزة ستنجح -بإذن الله- في الخروج من الأزمة، كما أعلن ذلك عالم الجودة الأول الدكتور "ديمنج" وجعله عنوان كتابه "الخروج من الأزمة Out of crisis.. ولن يتم ذلك إلا إذا وجدت الصادقين القادرين من المسؤولين -وهم كثر ولله الحمد- الذين يهمهم تميز الوطن وجودة منتجات الوطن ومنظماته.
إنشرها