FINANCIAL TIMES

أيام الغضب الأسود تجتاح أمريكا وتعيدها إلى الستينيات

أيام الغضب الأسود تجتاح أمريكا وتعيدها إلى الستينيات

أيام الغضب الأسود تجتاح أمريكا وتعيدها إلى الستينيات

عملية إطلاق النار التي أدت إلى مقتل مايكل براون، والاستجابة العسكرية للاحتجاجات التي أثارتها، أعادت فتح النقاش الطويل في أمريكا حول الطريقة التي تعامل بها الشرطة في البلاد الشباب السود. ديماركوس باري يشعر بأنه يُساء فهمه. الرجل الأسود البالغ من العمر 23 عاماً يقول إن ضباط الشرطة البيض في بلدته فيرجسون، ميسوري، ينظرون إلى الأوشام المرسومة على ذراعيه، وميداليات الكلب الفضي التي تُجلجل من سلسلة حول عنقه، وتقويم الأسنان الذهبي الذي يُغطي أسنانه، وأنبوبة السيجار المليئة بالماريجوانا داخل منديل أسود ملفوف حول رأسه - ويأخذون فكرة سيئة عنه. يقول باري، مُخرجاً تقويم الأسنان من فمه، كما لو كان للتأكيد: "أنا أعمل، وليس لدي أي سجل لدى الشرطة، لكننا صورة نمطية، مهما حصل. هذا هو النضال: بكونك شخصاً فقيراً، وأسود اللون، يتم النظر والحكم عليك، [ضابط] الشرطة العادي يرى.. الأوشام، حيث يرون التقويم، فيعتبرون أن الشخص الماثل أمامهم هو شخص زنجي، لذلك يتم سحبك وتفتيشك". إنها شكوى يتم سماعها الآن في أنحاء العالم كافة. لقد تحدث باري بينما كان يقف بالقرب من حشد خارج مجمع كانفيلد جرين السكني في فيرجسون، الذي يعتبر الآن صرحاً من نوع ما – بما فيه شموع الوفاء، والورود، والبالونات والألعاب - لتكريم ذكرى الشاب الأسود البالغ من العمر 18 عاماً الذي كان من المفترض أن يبدأ دراسته الجامعية هذا الشهر، لكنه لم يحظ بفرصة. كان اسمه مايكل براون، وكان يمشي مع أحد الأصدقاء في وسط كانفيلد درايف، عندما تم إيقافهم في التاسع من آب (أغسطس) من قِبل دارين ويلسون، ضابط الشرطة الأبيض البالغ من العمر 28 عاماً. ويلسون أطلق النار على براون، الذي لم يكُن مسلحاً، ست مرات وقتله، على الرغم أن السبب بالضبط يبقى موضوع خلاف. تدّعي الشرطة أن براون هاجم ويلسون، لكن صديقه يقول إنه تم إطلاق النار على براون، ويداه مرفوعتان في الهواء. لقد أثارت الوفاة أياماً من الغضب في ضاحية سانت لويس التي يبلغ عدد سكانها 21 ألف شخص، نحو ثُلثين منهم من السود، والباقي في الأساس من أصول ألمانية وإيرلندية وإنجليزية. #2# الاحتجاجات تحوّلت إلى عنف في الليلة التي تلت عملية القتل، مع نهب العصابات للمتاجر وإشعال النيران فيها. وكانت استجابة الشرطة من خلال تكتيكات وصفها النقّاد بأنها عسكرية، وذلك بإطلاق الغاز المُسيل للدموع والرصاصات المطاطية على الحشود التي في معظمها من الشباب السود، لكنها تتضمن الأطفال وكبار السن، الذين تجمعّوا ليلاً لرفع أيديهم فوق رؤوسهم والصراخ: "أيدينا مرفوعة، لا تطلقوا النار!". وقد أثارت هذه الاضطرابات النقاش الوطني، والدولي، حول العلاقات العِرقية في الولايات المتحدة - وخاصة طريقة معاملة الشباب السود من قِبل ضباط الشرطة البيض، الذين يعملون في ظل سياسات "عدم التسامح" لمكافحة الجريمة التي أصبحت شائعة في العقود الأخيرة، من قِبل القادة المُحافظين في المناطق الحضرية مثل رودولف جولياني، عمدة نيويورك السابق. لقد تم انتخاب بيل دي بلاسيو، عمدة نيويورك الحالي، في العام الماضي من خلال ركوب موجة من الغضب في مناطق الأقلية، حول ممارسة الشرطة المعروفة باسم "التوقيف والتفتيش". العلاقات العِرقية لطالما كانت مشحونة في ميسوري، وهي ولاية العبيد قبل الحرب الأهلية، وبالكاد تكون نموذجاً للتكامل بعد ذلك. فيرجسون كانت موطن القليل من مئات الرجال السود فقط منذ وقت ليس ببعيد، يعود إلى عام 1970. على الرغم من نمو سكانها الأمريكيين من أصل إفريقي، إلا أن 50 من 53 ضابط شرطة فيها، وخمسة من الأعضاء الستة في مجلس المدينة من البيض. شرطة فيرجسون من المرجح أن توقف السود سبع مرات أكثر مما لو كانوا من البيض، واحتمال اعتقال السود خلال عملية التوقيف في حركة المرور هي الضعف، وذلك وفقاً لتقرير أعدّه النائب العام في ميسوري العام الماضي. وزارة العدل الأمريكية تجري تحقيقاً يتعلق بالحقوق المدنية في وفاة براون. كما أن الرئيس باراك أوباما، الذي تعرّض لانتقادات نادرة من الأمريكيين من أصل إفريقي، على ما اعتبروه استجابة فاترة لعملية إطلاق النار، أرسل إيريك هولدر، وزير العدل، إلى فيرجسون هذا الأسبوع للقاء أعضاء المجتمع. أخبرهم هولدر: "أنا النائب العام للولايات المتحدة (وزير العدل)، لكني أيضاً رجل أسود. أنا أذكر كم هو مهين أن يتم [سحبك وتفتيشك بدون سبب] ومدى الغضب الذي كان يعتريني وتأثير ذلك علي". من جانبه، يقول باري إنه فقد وظيفته في منشأة لرعاية البالغين بعد أسبوع من عملية إطلاق النار، بسبب حصار الشرطة في فيرجسون الذي منعه من اللحاق بحافلته، لذلك انتهى به الأمر بتفويت الذهاب إلى العمل. هذا الأسبوع، مع غياب الشمس، كان يسير في إحدى الشوارع المُحاطة بالأشجار، حيث كانت الجنادب تُصدر ضجة في الأشجار المزروعة أمام منازل المزارعين، للانضمام إلى الحشود في جادة ويست فلوريسانت، وهي الشارع التجاري الرئيسي على الجانب الأسود من البلدة، والآن هي موقع المواجهات بين الشرطة والمُحتجين. من غير المرجح أن تعتبر بيئة الضاحية خلفية لصراع عنصري في الولايات المتحدة، الذي عادة ما كان يندلع في المُدن الكبيرة خلال العقود الأخيرة. يقول باري: "هذه ليست الغابة، هذا مجتمع حيث الجميع يتطلعون لبعضهم البعض". أضاف أن الحي الأسود في فيرجسون لديه حصته من المشاكل، لكن وفقاً لإحصاءات تقرير الجريمة الموحدة في ولاية ميسوري، لا يوجد في المدينة سوى جريمة قتل واحدة هذا العام: إطلاق ويلسون النار على براون. الأجواء في فلوريسانت تتأرجح بعنف في الأيام الأخيرة مع الإعلان عن حظر التجوّل لكن لا يتم تطبيقه بالكامل، ثم تم رفعه وعلى ما يبدو تم السيطرة عليه. في بعض الأوقات، كانت الشوارع تشعر بأنها منطقة حرب، وفي أوقات أخرى بأنها حفلة في مجمع سكني، مع سيارات الشرطة المُدرّعة التي تُمهّد الطريق لزمامير السيارات والراقصين، وسحابات من الغاز المُسيل للدموع تحل محل دخان الماريجوانا. كما انحسر أيضاً وجود الشرطة وانتشروا. لقد تم إصدار قواعد جديدة بشكل منتظم، من بينها القواعد التي تتطلب من المُحتجّين البقاء دائمي الحركة وعدم التجمّع. بعد أن أنهى المُحتجّون الصلاة في إحدى ليالي هذا الأسبوع، تم دفعهم لإنهاء التجمّع من قِبل ضباط مكافحة الشغب، موجهين البنادق على المدنيين والصحافيين. أحد المتظاهرين يُدعى ريجي هاريس، ويبلغ من العمر 36 عاماً، أشار إلى الفرق بين تصرفات الشرطة العدوانية الموجودة في فيرجسون وبين ضبط النفس الذي أظهرته السلطات الفيدرالية في وقت سابق من هذا العام خلال المواجهة مع كلايفن باندي، وهو مربي الماشية من نيفادا الذي أصبح بطلاً لحزب الشاي. بعد رفض باندي دفع ملايين الدولارت كرسوم رعي فيدرالية، صوّب أنصاره الذين هم من البيض إلى حد كبير، وهم يحملون بنادق هجومية، أنظارهم على مقار السلطات. يقول هاريس، "لو خرجت هنا مع 10-15 شخصاً مع بنادق هجومية، لكانت الدماء تملأ الشوارع، لكنهم كانوا قادرين على إنجاح الأمر بطريقة ما - أتساءل لماذا". الغضب على الشرطة يكاد يكون عالمياً بين المُحتجين. كوينتين بيكر، العامل في أحد مطاعم الوجبات السريعة والبالغ من العمر 19 عاماً، وستيفون ستانتون، الموظف في مركز للرعاية النهارية ويبلغ من العمر 21 عاماً، كانا يرتديان مناديل بيضاء حول رأسيهما مكتوب عليها "مايك براون" ومناديل سوداء كانت تُغطي فم كل منهما مكتوب عليها العبارة "لا عدالة، لا سلام". صديقهما، كلارينس بليدسو، البالغ من العمر 23 عاماً، وهو موظف في وكالة تجميع، عرض يده اليمنى بأصابع مسلوخة ومُتقرحة، نتيجة قراره خلال الأسبوع الماضي لالتقاط قنبلة غاز مُسيل للدموع، وإعادة رميها باتجاه الشرطة. يقول: "إذا ألقى أحد شيئا عليك، فإنك ستُعيد رميه عليه. كنت أمشي في مجموعة من موقف الباص بعد مناوبة عملي، وبدأوا يطلقون الغاز المُسيل للدموع بالقرب مني". يقول بيكر إن والده، الذي يعمل في الجيش الأمريكي، قد نصحه بالبقاء في المنزل، لكنه قرر مقاومة الحظر باعتبارها مسألة مبدأ. يُضيف: "أخبرته، "يا أبي، هذا هو جيلي - كما تعلم لو أنك بعمري لكنت واقفاً هنا معي". أشعر بعدم الاحترام لأنهم لا يمنحوننا حقوقنا. لو كان المُحتجّون نوعا آخر من الأشخاص، لما فعلوا هذا، لكن لأن الذي مات هو رجل أسود، فعليهم وقف الاحتجاجات". بحلول عطلة نهاية الأسبوع، بدا أن الهدوء يعود إلى شوارع فيرجسون. المُحافظ جاي نيكسون طلب من الحرس الوطني في ولاية ميسوري، الذي استدعاه عندما وصلت التوترات إلى ذروتها، الانسحاب. هولدر قال إنه كان يأمل أن "الهدوء الذي شهدناه فجأة يمكن أن يكون دائماً". لا يزال يتعيّن تحديد مدى استجابة الناس في أماكن أخرى لمشاهد الاحتجاج التي تم بثها على شاشة التلفزيون ليلاً من شوارع فيرجسون. هذا هو عام انتخابات في الولايات المتحدة - سيتم تقرير من سيحكم مجلس النواب ومجلس الشيوخ في الانتخابات المقرر عقدها في تشرين الثاني (نوفمبر) - وعودة القضايا العِرقية إلى الساحة، ورقة رابحة شاذة. يأمل الديموقراطيون بإقبال كبير من السود، في الوقت الذي يخشون فيه رد فعل عنيف من البيض. وتُشير دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث الذي يتم متابعته على نطاق واسع، أن الأقليات العِرقية تتصرف بطريقة مختلفة على وفاة براون. 80 في المائة من السود الموجودين في الولايات المتحدة، يقولون إن عملية إطلاق النار قد تُثير قضايا مهمة جديرة بالمناقشة بشأن المسائل العِرقية. ومن بين البيض، هناك 47 في المائة يقولون إن "المسائل العنصرية تتلقى اهتماماً أكثر مما تستحق"، في حين أن 37 في المائة لا يوافقون، وذلك وفقاً للباحثين في مركز بيو. على مسافة ميلين فقط إلى الشرق من الشباب السود الغاضبين في فلوريسانت، على الجانب الأبيض من المدينة، هناك نادلة من شركة الجعة في فيرجسون ترتدي قميصاً بنصف كم مصبوغاً بطريقة خاصة، وتقدم البيتزا والجعة إلى مجموعة زبائن أكثر أناقة، تعترف لأحد المراسلين أنها في الواقع لم تكن تنتبه كثيراً إلى الاحتجاجات. وتقول: "لا أكاد أشعر بأن هذا يحدث في هذه البلدة. في الواقع لا أعرف شيئاً عن المنطقة الموجودة هناك. معظم وقتي أقضيه هنا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES