ثقافة وفنون

سميح القاسم: الحركة الوطنية الفلسطينية لا تبدأ بفتح ولا تنتهي بحماس

سميح القاسم: الحركة الوطنية الفلسطينية لا تبدأ بفتح ولا تنتهي بحماس

يوم 19 أغسطس 2014، رحل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم عن عالمنا بعد صراع مرير مع المرض. ويعد سميح القاسم واحدا من أبرز شعراء فلسطين المعاصرين، ويلقب بشاعر الثورة والمقاومة، ولد في عائلة درزية فلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية عام 1929، ودرس في مدارس الرامة والناصرة، ودرّس أيضا. انصرف سميح القاسم مبكرا إلى العمل السياسي، وانخرط في صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني، قبل أن يترك العمل الحزبي ويتفرّغ لعمله الأدبي. سجن سميح القاسم أكثر من مرة، كما وضع في الإقامة الجبرية بسبب أشعاره ومواقفه السياسية. القاسم غزير الإنتاج والكتابة، وفي شعره حث على الكفاح والمقاومة، وحسرة على معاناة أبناء وطنه المسلوب، وما أن بلغ الـ 30 من عمره حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي، ومن هذه المجموعات "دمي على كتفي"، و"دخان البراكين"، و"رحلة السراديب الموحشة"، و"قران الموت والياسمين". من مؤلفاته أيضا مجموعة "كولاج"، و"رماد الوردة"، و"حسرة الزلزال"، وهو أيضا مؤلف "الرسائل"، كتبها بالاشتراك مع المرحوم محمود درويش، ومن أعماله أيضا "مطالع من أنطولوجيا الشعر الفلسطيني في ألف عام". شارك سميح القاسم في العديد من المهرجانات الشعرية وأحيا السهرات الأدبية في مختلف بلدان العالم، وترجمت أشعاره للعديد من اللغات العالمية. في زيارة سميح الأخيرة لسويسرا سنة 2009، لإحياء أمسية شعرية دعما للمحاصرين في غزة كان للراحل حوار مع "سويس إنفو". ولا يزال الحوار يحاكي الكثير من أحداث اليوم، رغم مرور خمسة أعوام شهدت فيها الأراضي الفلسطينية والمنطقة عموما العديد من الأحداث والتطوّرات. وهذه مقتطفات من أبرز ما جاء في الحوار: - قلتم في إحدى المناسبات: "نحتاج نحن العرب إلى تفجير نووي على مستوى العقل والوجدان والذاكرة"، ما الذي يُزعجكم في هذا الوعي العربي؟ سميح القاسم: الذي يزعجني ليس الوعي العربي، بل غيابه، الذي يسود اليوم هو غياب الوعي وليس الوعي. لأن الوعي الحقيقي ينبغي أن يذكّرنا بأن مكاننا بين شعوب الأرض يجب أن يكون أفضل مما هو عليه الآن. نحن أبناء أمة طيبة ومتواضعة، أضاءت بحضارتها الإنسانية العالم ثماني قرون، فلا يعقل أن نسقط على هذا الدرك، نحن اليوم متهمون بالإرهاب، وبالكراهية، وتلحق بنا كل الصفات اللاإنسانية. هذه الصفات غريبة علينا، نحن لسنا إرهابيين، بل نحن ضحايا الإرهاب، ولسنا عنصريين، بل ضحايا العنصرية. في ثقافتنا، وفي تاريخنا، وفي أدياننا، الإسلام والمسيحية واليهودية، وهذه الأخيرة أيضا هي نتاج أرضنا، والعصر الذهبي لليهودية لم يكن في أوروبا، ولا في أمريكا، بل عاشه اليهود في كنف الحضارة الإسلامية في الأندلس. لذلك كله لا نستحق نحن أبناء هذه الأمة أن تُشاع عنا هذه الصورة القبيحة، وعلينا تقديم الصورة الحقيقية عن ذواتنا، صورة المحبة والتسامح واحترام التعددية. لا مكان في حضارتنا للكراهية، ولكن حينما تكون عرضة للاحتلال، والقمع والعنصرية، ومناطق كثيرة في الوطن العربي مازالت محتلة من طرف قوى أجنبية، فلا يتوقعنّ أحدا منا أن نسكت عن الاحتلال والإذلال والإهانة، واغتصاب الحقوق. لذلك، أنا أريد ما سميته بـ "التفجير النووي في وعينا كأمة" حتى نسترد مكانتنا الصحيحة بين شعوب الأرض. - أنت أحد أعلام أدب المقاومة. بعد أن أصبح السلام "الخيار الاستراتيجي الوحيد" للعرب في مواجهة المستعمر، هل مازال هناك مكان لهذا النوع من الأدب والشعر؟ سميح القاسم: البعض يُسيئون فهم مقولة "أدب المقاومة". المقاومة في جوهرها رد فعل على الاحتلال والقهر، وعلى القمع والعنصرية، لذلك ما دامت هذه المظالم جاثمة على صدورنا، فالمقاومة فعل مطلوب. في فرنسا زمن الغزو الألماني كانت هناك مقاومة، وفي أوروبا كلها كانت هناك مقاومة، وحينما كانت أمريكا مستعمرة بريطانية كان هناك أيضا مقاومة. عبر تاريخ الشعوب الطويل كانت المقاومة أمرا مشروعا. أنا أتمنى أن يزول الظلم عن شعبي وعن وطني، وعن أمتي، حينها سيكون لديّ متسع لكتابة أجمل أشعار الحب، وأجمل أبيات الغزل. نحن لم نختر المقاومة، وهي ليست رياضة قومية، أو هواية جذابة، ولم نُنجب أطفالنا ليقذفوا الحجارة وزجاجات المولوتوف، بل أنجبناهم ليعيشوا حياة حرّة وكريمة، ويتعلموا ويتقدموا ويساهموا بإيجابية في بناء عالم اليوم كما فعل أجدادهم من قبل. لكن، حينما يسلط علينا المستعمر جرائمه، على مرأى ومسمع من العالم، فكيف يحق لهم أن يلوموننا أو يتهموننا بالإرهاب، إذا دافعنا عن أنفسنا؟. - مؤلم ان يكون الوطن تحت الاحتلال، والمؤلم أكثر أن يتقاتل الأشقاء. كيف تعيشون حالة الانقسام السائدة اليوم بين ضفتي الوطن؟ سميح القاسم: أنا لا أعيش حالة الانقسام، أنا أموت حالة الانقسام. هذه حالة فاجعة ومُهينة، حالة مؤلمة جدا. لكن، أيضا يجب ألا ننسى أن هناك قوى خارجية تغذّي هذا الصراع، وتتسلى بعذاباتنا، وترقص على أشلائنا. إنه صراع دولي، نحن وقوده. ومن دون شك أنا ضد هذا الاقتتال. - هل معنى هذا أن الحركة الوطنية الفلسطينية أضاعت البوصلة؟ سميح القاسم: الحركةالوطنية الفلسطينية لا تبدأ بفتح، ولا تنتهي بحماس. لا تؤاخذوني، واقبلوا تواضعي، أنا دخلت السجون الإسرائيلية من أجل القضية الوطنية، قبل أن تسمعوا عن فتح أو حماس، أو عن ياسر عرفات، أو أحمد ياسين، أو جورج حبش أو نايف حواتمة... قبل هؤلاء جميعا كان هناك مناضلون شرفاء يواجهون العنصرية والاحتلال. الحركة الوطنية لم تبدأ بفتح، ولا تنتهي بحماس. الحركة الوطنية إحساس شعبي يمتد مداه إلى جميع المناصرين للقضايا العادلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون