ثقافة وفنون

الكوفية الفلسطينية حكاية مليئة بالأحداث والتقاطعات الثقافية والرمزية

الكوفية الفلسطينية حكاية مليئة بالأحداث والتقاطعات الثقافية والرمزية

الكوفية الفلسطينية حكاية مليئة بالأحداث والتقاطعات الثقافية والرمزية

الكوفية الفلسطينية حكاية مليئة بالأحداث والتقاطعات الثقافية والرمزية

حكاية الكوفية الفلسطينية، حكاية مليئة بالأحداث والتقاطعات الثقافية والرمزية، التي ميزت، بالضرورة، أرض فلسطين عن غيرها، وأسباب "الضرورة" هنا معروفة. فالاحتلال بطبعه محاولة لفرض ثقافة مغايرة ومحاربة أخرى موجودة، بقوة الهيمنة والسلاح. وهنا تتجلى التحولات الرمزية لهذه الكوفية ثقافيا وإنسانيا على مر السنين. فمن استخدامات طبيعية تفرضها ظروف الطقس والمناخ إلى ظروف وجودية أكثر تعقيدا تفرضها ملاحقة العدو وبطشه. فيكون الصمود هو الخيار الوحيد بينما التضامن، من قبل الآخرين، مطلب إنساني، يجد في هذه القطعة من القماش ضالته لكي يعبر عن وقفته وتعاطفه. ولكن لعل المفارقة الأقسى والأخطر وجوديا وثقافيا حين يتم التخلي عن هذه الرمزية المحملة بالكثير ثقافيا لصالح "قناع أسود"، يمكن استغلاله دعائيا، طالما هو ليس من ابتكار الأرض ذاتها، وحاجاتها الطبيعية، بقدر ما هو ابتكار وتلون لثقافة الاحتلال وظروفه القاسية التي لا أرض لها. لذلك وجبت قراءة هذه الرموز أو الكنوز، مرة بعد أخرى. ###سقوط الطربوش "سجّل أنا عربي و لون الشعر فحمي و لون العين بني و ميزاتي على رأسي عقال فوق كوفية" هكذا يصف الشاعر محمود درويش ما يميزه كفلسطيني عربي. دون أن ينسى الكوفية أو "الحطة" بلونيها الأبيض والأسود والتي ترمز لزمن مضى، اعتاد فيه الفلاح الفلسطيني أن يضعها على كتفيه لتجفيف عرقه أثناء حراثة الأرض أو ليحتمي بها من برد الشتاء، فكانت هي ما يميزه أيضا عن ابن المدينة الذي يعتمر الطربوش. #2# ولكن هذه الوظيفة الطبيعية للكوفية لم تستمر مجردة من أي رمز. ليقترن اسم الكوفية، في فترات لاحقة، بالكفاح الوطني، والتخفي عن أعين الجنود البريطانيين منذ ثورة 1936 في فلسطين، حيث تلثم الفلاحون الثوار بالكوفية لإخفاء ملامحهم أثناء مقاومة الإنتداب البريطاني في فلسطين. وذلك لتفادي اعتقالهم أو الوشاية بهم. ثم ما لبث أن وضعها أبناء المدن وذلك بأمر من قيادات الثورة آنذاك، بغرض التشويش على الإنجليز الذين بدؤوا باعتقال كل من يضع الكوفية على رأسه ظنا منهم أنه من الثوار فأصبحت مهمة الإنجليز أكثر صعوبة في اعتقال الثوار بعد أن وضعها كل شباب وشيوخ القرية والمدينة في تضامن لا يزال يذكر إلى اليوم. وسبق أن وصف الشاعر أحمد دحبور، في إحدى المقابلات التلفزيونية، ظروف هذه الحادثة، وكيف تم تمرير هذه الرسالة الثورية للناس دون علم الإنجليز قائلا: " كان باعة الكوفية أو الحطة والعقال يدللون عليها بقولهم: " حطة وعقال بخمسة قروش.. والنذل لابس طربوش!"، وهنا تم تداول هذه الشفرة "الإعلامية"، من خلال السوق (أهم منبر إعلامي في ذلك الوقت). ليستيقظ العساكر البريطانيون صباحا فيجدوا أن الطرابيش قد اختفت، وأن معظم الشعب صار يرتدي العقال والكوفية، التي نظم فيهما الشعراء الشعبيون أغانٍ ما زال الكثير منها، إلى يومنا هذا، يجري على ألسنة الفلسطينيين: شباباً وشيوخاً، نساء ورجالاً، بل وحتى الأطفال منهم. ولعل من أشهرها الأغنية الفلكلورية "علّي الكوفية علّي.. ولولح بيها" والتي أعادها للذاكرة المطرب الشاب محمد عساف، ولا قت رواجا عربيا واسعا. #3# ومع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي كانت الكوفية مقرونة بالفدائي كما سلاحه وكان أيضاً السبب الرئيسي لوضع الكوفية إخفاء ملامح الفدائي. ثم امتدت هذه الرمزية الثقافية التي اقترنت بالكوفية عند شعوب العالم باسم فلسطين ونضال شعبها، وقوي هذا الاقتران أثناء الانتفاضة الأولى عام 1987 وصولا" إلى الانتفاضة الثانية عام 2000. ###كوفية أبوعمار أما عالميا، فقد وصلت الكوفية ابتداء إلى ألمانيا ومنها إلى مختلف أنحاء الدول الأوروبية، وعن هذا الحضور الملحوظ بين الشباب الألماني يكتب "غابي نصار": " تنتشر الكوفية العربية أو ما يعرف بالشال الفلسطيني حالياً بين الشباب الألماني من كافة المستويات، فهو يعدّ وسيلة للأناقة حظيت بقبول شعبي غير مسبوق في ألمانيا. وقد وصل الشال الفلسطيني (الكوفية) إلى ألمانيا أواخر الستينيات بواسطة اليساريين الغربيين الألمان، الذين عادوا إلى بلدهم بعد زيارتهم ومكوثهم في معسكرات المنظمات الفلسطينية في الأردن ولبنان، وتعدّت حمّى إعجاب الشباب الألماني بالشال من مجرد لفة حول العنق وإسداله على الكتف والصدر إلى استخدامه كقطع ملابس وحقائب، ودمجه سكان ولاية بافاريا الجنوبية مع ملابسهم التراثية التي يستعرضونها في احتفال الولاية السنوي الشهير في تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام". ورغم أن الكوفية لم تعد من الملبس الذي يرتديه الكثيرون، في فلسطين، مقارنة بأوقات مضت، إلا أن الموالين لإسرائيل في العالم، أصبحوا يعرفون قيمتها الرمزية، ما جعلهم يحتجون فور استخدام أي من المشاهير للكوفية الفلسطينية. وكان جدل كبير قد أثير، بسبب إعلان ظهرت فيه المذيعة التلفزيونية الأمريكية ريتشيل راي وهي ترتدي كوفية تشبه الكوفية الفلسطينية في إعلان لشركة "دنكن دونت"، وانتقد الكاتب ميشيل مالكين الأمريكي اليميني الإعلان واتهمه بأنه يروج لـ "موضة الجهاد" و"الكراهية" (عداء السامية). بينما يرفض الفلسطينيون اعتبار الكوفية رمزا للعنف. يقول "إياد الحروب" وهو مسرحي فلسطيني لـ"الشرق الأوسط": "الكوفية رمز لفلسطين والختيار "أبو عمار" وليس للإرهاب". ولا شك أن الفضل الأساسي في انتشارها عالميا وسياسيا، قبل دور الموضة العالمية، يعود إلى الزعيم الراحل ياسر عرفات - رحمه الله - الذي كان يرتديها بشكل دائم على شكل خريطة فلسطين، فتم ربط صورتها ذهنيا من قبل الكثيرين بفلسطين رغم ارتدائها في مناطق كثيرة من الشام والعراق، حتى أصبحت رمزا يرتديه المتضامنون مع القضية الفلسطينية. يقول الكاتب عصام الحلبي "اعتمر الختيار الكوفية الفلسطينية والتي أصبحت رمزا لفلسطين ونضالها وثورتها ضد الاحتلال وعنوانا لفلسطين في كافة أرجاء المعمورة حيث اقترنت الكوفية بفلسطين وبأبي عمار". ###كوفية يهودية وبعد جهود ثقافية إسرائيلية مضنية، لم تفلح عالميا في ربط الكوفية بالعنف والإرهاب، أتت صحيفة "جويش كرونيكل" اليهودية الصادرة في لندن، بمحاولة مغايرة تدعو للتقارب، عوضا عن الرفض. فاختارت لصفحتها الأولى تصميما لما أسمته "كوفية يهودية" قام المصمم "الإسرائيلي"، موشيه هاريل، من خلالها، بتحوير شكل الكوفية الفلسطينية، وذلك بتغيير لونها إلى الأزرق، كما صممت تطريزاتها على شكل نجمة داوود بالأزرق والأبيض. ويقول مصمّم الكوفية إن هذا التصميم يدخل في إطار الاندماج الإسرائيلي في حيّز الشرق الأوسط. ويضيف "الكوفية الإسرائيلية" الجديدة تحافظ على المميزات الأصلية للفلسطينية، لكنها تحوي مميزات إسرائيلية ويهودية، فعند الخطوط الزرقاء على أطراف الكوفية ثمة ذكر للعلم الإسرائيلي، ونجمة داوود. يبقى أنه لا محاولات وصم الكوفية الفلسطينية بالإرهاب نجحت ولا محاولات التقارب "المزيفة" نجحت هي أيضا، والدليل كثير من التعاطف حول العالم وخاصة الكوفية. ولكن، ومن خلال الأحداث الأخيرة، لا يمكن تجاهل نجاح بعض الصور الدعائية التي تركز على المقاربة بين صور الأقنعة السوداء في فلسطين وغيرها من مواقع الإرهاب. وحول هذا الأمر يقول الكاتب الفلسطيني ما جد كيالي معترضا على هذا التحول، "ليس من الحكمة التخلي عن هذه الرمزية الشعبية والنضالية، التي هي جزء من تراث شعبنا، في سبيل أقنعة سوداء". أما أخطر ما يمكن أن تثيره هذه الأقنعة، بحسب كيالي، فهناك " تشبيهات لا نحتاج إليها في هذه الظروف" إشارة لما بدأت تتداوله بعض المواقع الإعلامية الغربية، بحشد من جهات إسرائيلية، لمقارنات وتشبيهات، تربط بين أفراد المقاومة بأقنعتهم السوداء وأفراد القاعدة وما شابهها من ميليشيات متتطرفة. ثم يختم كيالي بقوله "كم هو مؤلم التصرف بخفة مع رموز شعبنا، التي عمدها بدمائه وتاريخه. لا للأقنعة السوداء، نعم للحطة الفلسطينية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون