العالم

اختطاف المدنيين والاستقطاب للجهاد وجهان لـ «سوق» واحدة

اختطاف المدنيين والاستقطاب للجهاد وجهان لـ «سوق» واحدة

اختطاف المدنيين والاستقطاب للجهاد وجهان لـ «سوق» واحدة

مقطع الفيديو الذي ظهر فيه أحد أفراد داعش "ينحر" صحفيا غربيا (جيمس فولي)، ويهدد بقتل آخر، لم يكن صادما فقط، بل أعاد للمشهد السياسي كثيرًا من الملفات السياسية والأمنية المعلقة حول عمليات الاختطاف والفِدى من جهة. وحول تنامي استقطاب المقاتلين عموما والغربيين بشكل خاص لصفوف داعش من جهة أخرى. فالقاتل والمقتول يحملان، على الأغلب، هذه المرة، جنسية غربية. وهو يؤكد ما وصلت إليه "داعش" دعائيا وتقنيا، مقارنة بمن سبقها. وهذا ما سيصعب على السياسيين الغربيين اقناع مواطنيهم بعد اليوم بأن الأمر لا يعدو كونه خلافا طائفيا بين متطرفين من السنة والشيعة يخص فكرًا أو ثقافة بعينها. فالأحداث امتدت لتنال من المصالح الغربية، بشريا وماديا. حيث الاختطاف والاستقطاب وجهان لسوق داعشية عالمية واحدة، لا تزال تنتعش، رغما عن الضربات الجوية الأمريكية التي تنال من الأفراد فقط، مع بقاء "القيادات السوداء" و "الوسطاء المتلونين" في أماكنهم الآمنة في الخفاء. ###رسالة «داعش» إلى أمريكا الرسالة، هذه المرة، بحسب كثير من المراقبين، تتجاوز الحدود وتثير الكثير من التوقعات. فبحسب صحيفة "الجارديان" الشخص الذي ظهر وكأنه منفذ عملية القتل هو زعيم مجموعة من البريطانيين، ويعتقد أن اسمه "جون" وكان يقيم في العاصمة البريطانية. وبحسب شهادة أسير سابق احتُجز في الرقة لمدة عام فإن قاتل الصحافي "فولي" هو واحد من ثلاثة بريطانيين متشددين كان يُعهد إليهم بحراسة الأسرى المحتجزين في الرقة، وكانوا يسمون "البيتلز" تيمنا بالفرقة الغنائية البريطانية". داعش بهذه الرسالة الجديدة، ورمزية اللون البرتقالي الذي ألبسوه للمختطَفين ( زي معتقلي جوانتانامو). تعلن للعالم أجمع وليس لأمريكا فقط، وصولها بل وتمددها إلى عقر الدار من جهتين؛ القاتل والمقتول. إذ المثير في هذه القصة، إعلاميا وحكوميا، بالنسبة لكثير من الغربيين، هو أن "هناك رجلا داعشيا بلكنة "بريطانية" (يرجح أنه بريطاني) نجحت داعش في استقطابه ينحر "أمريكيا" نجحت، أيضا، في اختطافه. ما يجعل الحكومات الغربية تراجع حساباتها أكثر وتستنفر مجددا كل طاقاتها. ###الردود «الإنسانية» لا تجدي ردود فعل دولية بدأت، وتحركات أخرى لا تزال تتوالى. الرئيس أوباما اعتبر اغتيال فولي صدمة للعالم بأسره، وقال إن تنظيم داعش "لا مكان له في القرن الحادي والعشرين". ورئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون قطع إجازته، مصرحا للصحفيين إثر سلسلة اجتماعات ترأسها "لم نحدد بعد هوية الشخص المسؤول عن هذا العمل، ولكن يرجح أكثر فأكثر أنه مواطن بريطاني". وحذر من أن تنظيم "الدولة الإسلامية" قد يشكل تهديدا "للمواطنين في شوارع بريطانيا" ما لم يتم تدارك أمره. #2# وقال كاميرون في مقال نشرته صحيفة "صنداي تلغراف" اللندنية إن "ردا إنسانيا" لن يكون كافيا لدرء المخاطر التي يشكلها التنظيم، ويجب اتخاذ "رد أمني حازم". محذرا من نشوء دولة متطرفة على سواحل البحر الأبيض المتوسط. في حين دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند لاستضافة بلاده مؤتمرا دوليا بشأن الأمن في العراق، معتبرا أن التهديد الذي يفرضه تنظيم "الدولة الإسلامية" أكبر مما كان يشكله تنظيم القاعدة في 2001 وفقا لما جاء في تصريح أولاند لصحيفة لوموند الفرنسية. ثم عاد البيت الأبيض ليعبر عن أن قتل الصحافي الأمريكي جيمس فولي من جانب تنظيم الدولة الإسلامية يشكل "هجوما إرهابيا" على الولايات المتحدة، مؤكدا أن واشنطن تبحث خيارات مختلفة للرد على هذه "الجريمة الهمجية". وبينما كشف مكتب رئيس الحكومة البريطانية عن أن قوات الأمن البريطانية اعتقلت في الأشهر الـ 18 الماضية 65 شخصا بتهمة التورط في نشاطات جهادية متعلقة بالحرب في سورية. أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، بحسب فرانس برس، أن ما لا يقل عن 12 ألف مقاتل أجنبي من 50 بلدا توجهوا إلى سورية منذ بدء النزاع قبل أكثر من ثلاثة أعوام بينهم "عدد قليل من الأمريكيين". ###«الدعاية» لم تعد مقبولة وفي إطار التحرك ضد "الدعاية" التي تروج لداعش، ألمح كاميرون إلى وجوب اعتقال كل من يرفع علم "داعش" في بريطانيا. فيما حذر اسكوتلنديارد، البريطانيين من تحميل وتبادل فيديو ذبح الصحافي الأمريكي، وأن هذا سيعرضهم للمساءلة. وهو توجه عرف عن كثير من الدول الأوروبية، في أوقات سابقة، حيث إن تجفيف منابع تمويل داعش، بالنسبة لكثير من الدول الأوروبية، يجب أن يوازيه تجفيف منابع الدعاية الإعلامية بسن قوانين تجرم وتمنع الجهاد الإلكتروني. إلا أن التحول هنا هو التوجه الذي اتخذته الحكومة الأمريكية، تحديدا، في ضغطها على "تويتر"، وغيره من المواقع، التي بدأت عمليا، في ملاحقة كل من يروج لأفلام داعش، وحذف الكثير من الحسابات "الدعائية". حيث أكد ديك كوستيلو، المدير التنفيذي لموقع "تويتر"، أنهم سيوقفون نشاط أي حساب يكتشفون أنه على صلة بصور مقتل الصحافي الأمريكي. وهذا "تحول" أمريكي لأنه يخالف ما صرحت به ذات مرة مصادر مطلعة من داخل شركات التكنولوجيا الأمريكية لموقع "ماشابل"، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كشفت أن هناك رغبة غير معلنة لدى الاستخبارات الأمريكية في عدم اعتراض هذه الحسابات برغم كل العنف الممنهج، الذي تبثه، مبررة هذا الأمر، بضرورات "حقوقية" عامة. إضافة إلى أن ترك هذه الحسابات تعمل، يخدم أهدافها في التعقب الاستخباراتي. ###سوق الفِدى والاستقطاب كثير من العصابات على مر التاريخ اعتمدت "الفدية" كمصدر تمويل، و"داعش" هنا ليست استثناء، إلا أنها استطاعت على خلاف غيرها أن تنوع هذه المصادر من خلال جمع التبرعات بطرق غير شرعية، أو السطو على البنوك وبيع البترول ( تناولت كثير من التقارير الصحفية تورط بعض الدول والحكومات في الشراء من داعش) إضافة إلى تحصيل "الجزية" و"الزكاة" بالقوة، كما فعلت في العراق أو سورية، هذا فضلا عما تغنمه في طريقها من عتاد وآلات، عسكرية أو مدنية. عمليات الخطف، بحسب كثير من الخبراء، مسألة تكتيكية واستراتيجية بالغة الأهمية ولا يماثلها في الأهمية إلا العمليات الانتحارية، التي تشجع عليها، بل وتستقطب من أجلها الكثير من الأفراد، من وقت إلى آخر، لعلمها أن هذا السلاح "العقائدي" يبقى هو الأقوى كتهديد دائم ومفاجئ لا يمكن الاستهانة به أو التنبؤ بوقته ومكانه من قِبَل خصومها، مقارنة بكل الأسلحة المتطورة التي قد تغنمها. وهنا يكون عنصر المفاجأة (سلاح فعال في حروب العصابات والشوارع) هو ما يمكن أن يجمع بين عمليات "الخطف" وما يراد منها (ضغط سياسي أو فدية مالية) و"العمليات الانتحارية" ومتى أو أين يتم تنفيذها. فمن المعلوم أن وقود العمليات الانتحارية هم أبناء التنظيم نفسه المستقطَبين، من الفئات السنية الصغيرة (غربيين أو شرقيين). بينما المستهدف من عمليات الخطف هم غربيون في أغلبهم، صحفيون وعاملون في قطاعات مختلفة (قد تكون إغاثية في بعض الأحيان) تتفاوت أهميتهم وقيمتهم في "سوق الفدى" بتفاوت جنسياتهم. ###من يدفع الفدية؟ المشترَك هنا أن كلا النوعين مختطَف لهدف وغاية محددة؛ الشاب الانتحاري مختطف فكريا وعقائديا من قبل قيادات عصابات محترفة لتنفيذ مهمة محددة. والمواطن الغربي مختطَف أيضا لغرض التمويل المادي أوالابتزاز السياسي. وهنا الأمر يدعو للبحث عن قيادات وتحالفات "أعلى الهرم"، التي تحرك وتدير هذه الأطراف والقواعد، والتي لا يصنعها، بحسب كثير من المحللين، أفراد بقدر ما تصنعها مصالح وسياسات عميقة، حيث تتقاطع هذه المصالح أشد ما تتقاطع، حين تضطر دول أو جهات لدفع الفدى، بينما تنكر أخرى هذا الفعل. تقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف في مؤتمر صحفي في واشنطن "نحن لا ندفع فدى". إحدى الطرق الرئيسية التي مول بها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام نفسه خلال هذا الصراع هي الفدى التي دفعها الآخرون. نحن نعتقد أنها تقدر في عام 2014 فحسب بملايين الدولارات. لذلك نعتقد أن دفع الفدى أو تقديم تنازلات من شأنه أن يؤدي إلى زيادة خطر الخطف وإلحاق الضرر بجميع الأمريكيين في الخارج كما أن تلك الفدى ستستخدم أيضا في تمويل الجماعات التي نحاول أن نضعف قدراتها". وبرغم هذه التصريحات المتكررة من قبل الحكومات الغربية، ومن يمثلها، التي تحذر دائما من دفع الفِدى، إلا أن الواقع يقول إن هناك فدى تُدفع. فبحسب تحقيق صحفي مطول لـ"نيويورك تايمز" فإن هناك معلومات شبه مؤكدة تذهب إلى أن هذه الفدى لا تدفع من الأموال العامة (دافعو الضرائب) ولكنها تدفع من خلال "شركات خاصة" أو "وسطاء"، أي بالمجمل عن طريق "آخرين" بحسب تعبير هارف، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية. ليظل الوسطاء الذين يدفعون الفِدى وأدواتهم في التفاوض سّر صندوق داعش الأسود والممول الأكبر. وفي إطار الحلول يبقى أن كثيرا من المحللين والعسكريين، اليوم، ينحون إلى عدم الفصل بين ما يحدث في سورية والعراق من فراغ أمني وجغرافي وبين تمدد سوق داعش وتمكنها. إذ يكتب "بورزو داراجاهي" في صحيفة "فاينانشيال تايمز": "إذا كان الصراع في سورية هو الحاضنة التي نمّت وكبّرت "داعش" من مهدها، فالسياسات المختلّة وظيفياً في بغداد أدت إلى تسارع فترة مراهقتها"، ما يعني أن أي تجاهل لحل المشكلة ابتداء من سورية هو تجاهل لجذور سوق داعش وأصولها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم