Author

المؤشرات العقارية .. ما لها وما عليها

|
أقدمت وزارة العدل على خطوة جريئة جدا عندما دشنت 36 مؤشرا جديدا للتداول العقاري، تشمل معلومات متكاملة للأسعار في المناطق والمدن والأحياء، ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، وتعد هذه المؤشرات استثمارا متميزا فعلا لقاعدة المعلومات التي تمتلكها وزارة العدل حول التداول العقاري، ذلك أن أي عمليات بيع وشراء حقيقية ستنتهي إجراءاتها من خلال وزارة العدل التي تنقل الملكيات قانونيا من البائع إلى المشتري. الجرأة في المؤشرات، أنها مبنية على عمليات بيع حقيقية، أي أن الأسعار تمثل واقعة تاريخية حقيقية، ولن تكون المؤشرات انعكاسا لمستويات العرض والطلب الحالية، ولا أسعار العرض ولا أسعار الطلب التي يتم التفاوض حاليا بناء عليها، وهذا القصور سيحد كثيرا من المعلومات التي تقدمها المؤشرات، فالمؤشرات وفقا لتصريحات المسؤولين في وزارة العدل ستمكن من توفير معلومات تاريخية شهرية وربعية وسنوية عن المناطق والأحياء، حسب التصنيفات التي يتم بها إصدار الصكوك الشرعية للتملك، ولذلك فإن قيمتها التفاوضية محدودة للغاية. ومع كل الاحترام والتقدير لهذه الخطوة الجيدة جدا، التي ستمنح السوق الكثير من البيانات، وستوفر أدوات مهنية للمقيّمين والمثمّنين ومعلومات تفصيلية للجهات المعنية عن متابعة قطاع العقار، إلا أنه يجب عدم الإفراط في التفاؤل حيال هذه المؤشرات التاريخية، فما زالت علميات البيع والشراء تتم من خلال التفاوض المباشر، ومن خلال وسطاء، والمعلومات التاريخية لا يمكنها أن تسعف في مثل هذه الحالات، كما لا يمكن للمؤشرات القضاء على الصفقات الوهمية التي تسعى لإيجاد انطباعات غير حقيقية حول حجم العرض والطلب، فالمعروف أن عمليات البيع وتحديد الأسعار في السوق العقارية تتم من خلال عقود البيع الابتدائية، التي عادة ما يتم إبرامها في المكاتب والمؤسسات المتخصصة وليس في المحاكم الشرعية، وأن كتابة العدل هي آخر محطة في عملية البيع، وبين عملية التفاوض وإنهاء العقود في كتابة العدل مدة زمنية كافية للتأثير في الأسعار وتحريكها وفق أي اتجاه، فالقول إن هذه المؤشرات ستؤثر في السوق نظرية تحتاج إلى برهان. من المهم أيضا الحذر ابتداء من وجود مؤشرات في السوق العقارية، ذلك أنه يمكن لكبار المراهنين في السوق التلاعب في الأسعار من خلال استخدام هذه المؤشرات، بل قد يكون لها دور في التضخم نظرا لأن الأسعار أصبحت تحت رحمة كبار التجار القادرين على إيجاد صفقات وهمية أو حتى جر السوق من خلال المغالاة في الأسعار، ومن ثم قيادتها نحو مستويات سعرية في أحياء ومناطق سبق لهم أن صنعوا فيها تكتلا كبيرا، أضف إلى ذلك أن السوق العقارية مثلها مثل غيرها تتأثر كثيرا بالشائعة، فالسوق يمكن التأثير فيها من خلال الشائعات مع عمليات بيع وهمية بشيكات غير مصدقة، ومن ثم إيجاد انطباع في مدينة معينة أو في حي من الأحياء من أجل قيادة الأسعار بطريقة أو بأخرى. فإذا أضفت إلى كل ذلك وجود تمويل مصرفي ضخم، ومع أخبار مصاحبة بمشاريع حكومية أو خاصة كبرى فإن الأسعار ستصل بسرعة إلى حد الفقاعة، وأي انكشاف سيقودها مرة أخرى إلى الهاوية، وفي هذا كله ستلعب المؤشرات دورا خطيرا في إيجاد انطباعات عن الخروج والدخول للسوق والأسعار الجديدة حتى لو كانت وهمية، حيث سيعلن المؤشر دائما عن آخر الأسعار واتجاهاتها. لعل أهم ميزة في السوق العقارية أنها ليست سوقا نشطة، بمعنى أن الأسعار لا يمكن معرفتها في اللحظة نفسها، وهذه ميزة منعت السوق حتى الآن من الانجراف نحو الفقاعة أو القاع رغم ضخامة التمويل المتوافر والشائعات الكبيرة في كل اتجاه، ولهذا لا بد من التعامل مع هذه المؤشرات بحرص، حتى لا تكون قاصمة ظهر البعير العقاري. ولهذا نعود فنقول إن إطلاق المؤشرات كان جرأة من وزارة العدل وسيكون لها أو عليها.
إنشرها