Author

درء الخطر العربي (4) : كاد المريب ..!

|
تأكدت من خطأ الاعتماد على البراجماتية وأن من يتبنون مثل هذا المنهج يعانون عبثاً ، بعد انكشاف مخططاتهم، للحيلولة دون حتمية تصحيح الأمور وعودتها للمسار الطبيعي، وأقصد هنا تصحيح مسيرة المنطقة العربية بما يحقق مصالحها، وذلك عندما أدلى وزير الخارجية الأمريكي بإفادته لمجلس الشيوخ والمبنية على "معلومات استخباراتية حساسة" لا يمكن الإفصاح عنها ولا عن مصدرها قائلاً: أن "مصالحنا (our interests) قد تتأثر بشكل كامل إذا لم يتم إقرار العمل العسكري" لمعاقبة النظام السوري الحاكم على أعماله الوحشية ضد معظم الشعب السوري الذي يعارضه، وأنه يأمل ألا يمنع القرار انتشاراً عسكرياً على الأرض. ساتجاوز موضوع "المعلومات الاستخباراتية الحساسة" وما يتعلق بالإفصاح عنها وعن مصدرها، فهذه قضية بذاتها، إلا أن الأمر يستلزم التوقف عند إن "مصالحنا قد تتأثر بشكل كامل إذا لم يتم إقرار العمل العسكري"، فالسببية والحيثيات لا يستقيمان مع ما هو مطلوب فعله، فكيف أن مأساة إنسانية ستؤثر "وبشكل كامل" على "مصالحنا"؟ وبتحليل لا يتطلب الكثير يمكن التوصل إلى الآتي: 1) فيما يتعلق "بالمصالح الاقتصادية" بين سوريا والولايات المتحدة الأمريكية فهي لا تكاد تذكر مقارنة مع تلك التي بين الأخيرة وبقية دول العالم، وأنه حتى في حالة وجودها، وكما هو الأمر مع أعضاء منظمة التجارة العالمية، فإن لمعالجة الضرر الاقتصادي قنوات وأساليب هم من أكثر العارفين بها بل ويبدعون فيها وحتماً لا يشمل ذلك التدخل العسكري، 2) فيما يتعلق "بالمصالح العسكرية" فأين وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا قوةً وموقعاً جغرافياُ من الطاقة العسكرية لأمريكا وانتشار قواعد الأخيرة حول العالم؟ ولو أًفترض وأوضح وزير الخارجية "أن قيمنا الانسانية والأخلاقية تفرض علينا التدخل لإنهاء المأساة الانسانية في سوريا" لاتسقت، في الحد الأدنى، السببية مع العمل المطلوب، وكان سيبقى ما إذا سيوافق مجلس الشيوخ على هذا الأمر أو أن أعضاء مجلسي التشريع سيردون بأن "أمريكا ليست الشرطي الدولي" أو أن "هذا الأمر يتطلب العودة للأمم المتحدة، وتحديداً مجلس أمنها"، وما في حكم ذلك من مواقف سيتم التصويت في المجلسين على أيها الأرجح، وأي كانت الحال فلم يكن مؤكداً صدور الموافقة أو أن الرأي العام الأمريكي سيدعم مثل ذلك العمل، وهو الذي حصل فعلاً وسيتم مناقشته في مقال لاحق. بقي تفسير أخير لتلك الإفادة المثيرة للاهتمام بأن "مصالحنا قد تتأثر بشكل كامل إذا لم يتم إقرار العمل العسكري"، وللقارئ أن يحكم إن كان هذا التفسير هو الأدق فإلى من يعود الضمير "نا" في كلمة "مصالحنا"؟ وكأني بوزير الخارجية الأمريكي هو وزير خارجية الكيان المحتل وكأني بمجلس الشيوخ الأمريكي هو مشرعي وحكومة الكيان المحتل، في هذه الحالة وفي هذه الحالة فقط يستقيم سياق السببية والحيثيات مع ما هو مطلوب فعله، فهذه الجبهة الغربية للكيان المحتل قد تحررت وتحصنت وأصبح قرارها شأناً داخلياً ومدعوماً من شقيقاتها، وبالتالي.. الخطر.. وكل الخطر على الكيان المحتل أن يتكرر ما حصل في أرض الكنانة من أن يحصل في أرض الشام، فحينها سيقع الكيان المحتل بين جبهات متحدة. وخلاصة القول، وكما أشرت في المقال الثاني عن أحوال المواجهة بين كيانين، وأن الانفعالات والمواقف الناتجة عن كل حالة (سواء للمبادر بالفعل أو لمن يقوم برد الفعل) أمور مثبتة علمياً، فقد سقط آخر قناع يتخفى خلفه الراعي المفترض لعملية السلام، وإذاً لم يكن تأكدي أعلاه هو عارض لحالة ارتياب، إذ تأكد مما طُرح على مجلس الشيوخ وبما لا يدع مجالاً للجدل أن المقصود من العملية العسكرية هو الإلقاء بآخر الأوراق المتبقية في محاولة يائسة لتمديد فترة عدم الاستقرار التي تعانيها المنطقة العربية منذ عقود طويلة، ولضمان استمرار إشغالها بما ليس فيه تحقيق مصالحها، واستنزاف ثرواتها ومقدراتها، وإبعاد دول المنطقة عن التركيز على القضية الأهم أو المساس بأمن الكيان المحتل، واستثمار الوضع في سوريا كفرصة سانحة ولو لشراء بعض الوقت حتى تستعيد توازنها بعد الحدث العظيم الثاني الذي أربكها فلم تعد تعي سبيلاً للخروج من وقوعها فيما يشبه الرمال المتحركة كلما تحركت فيه تسارع غرقها. فكيف كان ذلك التدخل العسكري الأمريكي الذي تم التهديد به في سوريا؟ أكما سبق وحصل في الحدث العظيم الأول؟ وهل كان سيُبقي على النظام الحالي على أن لا يتعدى أن يكون والياً إيرانياً على الشام كما هو الأمر مع العراق؟ وهل ستكون الحجة الجوفاء، أن الأمور لم تتم حسب ما أُعلن عنه من خطط وأنها خرجت عن السيطرة ثم نعود لنغمة الناصح الأمين في مخطط أضحى بيناً لكل عاقل وعى دروس التاريخ؟ هذا ما سيتم مناقشته في المقال التالي بعنوانه الفرعي "نزعات يائس..!"
إنشرها