Author

الوزير «فقيه» ومواجهة أمراض العصر الوبائية

|
شدني حديث بين صديقين أحدهما "نحِف" بشكل كبير بعد رجيم قاس نوعا ما وآخر، حيث برر الأول لجوءه للرجيم بسبب بوادر ارتفاع في السكر في حين طمأنه الآخر بأن المرض غير خطير وأنه أصبح منتشرا ويصيب الأطفال والكل متعايش معه، إلا أن الأول أضاف أنه يعاني بدايات الضغط أيضا وأنه في الخمسينيات وعليه أن يصبح أكثر حذرا إلا أن الثاني طمأنه أيضا وقال هذا حال معظمنا سكر وضغط ودهون ووزن زايد وكوليسترول. ما شدني حقيقة حذر الأول وتهوين الثاني الذي جاء من منطلق الانتشار والتعايش مع هذه الأمراض وهو أمر تثبته الإحصائيات، حيث كشفت أرقام منظمة الصحة العالمية أن السعودية هي ثالث دولة في معدلات السمنة في المنطقة بنسبة 35.5 في المائة "38 في المائة رجال، 44 في المائة نساء"، والسمنة ترتبط كما أوضح رئيس لجنة التثقيف الصحي بجمعية السكر والغدد الصماء في المنطقة الشرقية بـ 28 مرضا رئيسا منها السكر وأمراض القلب والشرايين والسكتة الدماغية وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع السرطان وأمراض الجهاز التنفسي والهضمي والكلى والتناسلي والكبد والعظام والمفاصل والاكتئاب واضطرابات النوم وحصوات المرارة. الإحصائيات أيضا تقول إن نحو 30 في المائة من سكان السعودية مصابون بالسكري، وإن 29 في المائة من الرجال مصابون بارتفاع ضغط الدم "القاتل الصامت" مقابل 24 في المائة للإناث، وهو السبب الرئيس للفشل الكلوي الذي وصل عدد المصابين به في المملكة لنحو 11 ألف مريض يحتاجون لغسيل صناعي وبكل تأكيد هذه الأرقام تعتبر ناقوس خطر إذ تعتبر هذه الأمراض بهذه النسب المرعبة والمكلفة اجتماعيا واقتصاديا شبيهة بالأمراض المعدية التي وصلت حد "الوباء". مفهوم الوباء تطور عبر السنوات ولم يعد مقتصرا على الأمراض المعدية بل يشمل استخدامه الحالي وصف كل تغير تصاعدي مهم في معدل الإصابة أو الانتشار لمرضٍ ما أو حدثٍ ذي علاقة بالصحة، ومن أهم الظروف شيوعا المرتبطة بحدوث الأوبئة توافر عوامل اجتماعية ثقافية وسلوكية تزيد من تعرض الأسوياء أو تسمح بتوافر مداخل جديدة للعامل الممرض وهذا الظرف في ظني هو أهم أسباب تفشي هذه الأمراض في بلادنا حيث الراحة وندرة الحركة والعادات الغذائية السيئة. من خلال الإحصائيات ومما رسخ في أذهان الناس في بلادنا أن التوقع المنطقي حدوث عدد كبير من حالات الإصابة بالسمنة والسكري والضغط والجلطات وأمراض القلب والشرايين، وكلنا يعرف أن معظم هذه الأمراض يؤدي إلى العجز الخطير أو الوفاة كما يؤدي إلى حدوث خطر خلل اجتماعي واقتصادي، وبالتالي فنحن أمام عدة ملامح من ملامح الأوبئة التي تستدعي التحرك بجدية وبسرعة وبأفكار خارج المألوف لإيقاف هذه الأوبئة أو الحد منها بمعالجة أسبابها بشكل جذري. الوبائيات علم أساس في طب المجتمع تطور تاريخيا عبر عدة مراحل إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن وهي مرحلة استخدام الوبائيات لتقييم الرعاية الصحية إضافة لدورها كأداة أساسية في تخطيط الخدمات الصحية وتقييمها حيث تستخدم الوبائيات التجريبية لدراسة فعالية وكفاءة عدد كبير من نشاطات الرعاية الصحية وتقييم الوضع الصحي في المجتمع وتحدد العوامل التي ترتبط سببيا بوقوع الأمراض أو المشكلات المتعلقة بالصحة ومعرفة دور مكافحة هذه العوامل في تحقيق الوقاية المطلوبة من الأمراض. ميزانية وزارة الصحة لعام 2014 بلغت 54 مليارا و355 مليون ريال وتهدف من خلال المشروع الوطني للرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة التوسع في إنشاء المدن الطبية والمستشفيات والمراكز المتخصصة ومراكز الرعاية الصحية الأولية في كل مناطق ومحافظات المملكة بما يسهم بإذن الله في تلبية احتياجات المواطنين وتحسين وتجويد مستوى الخدمات الطبية المقدمة لهم، ورغم ذلك ما زالت الوزارة عاجزة عن تحقيق رضى المواطن حيث مواعيد مراجعة العيادات بالشهور، أما العمليات فحدث ولا حرج لارتباطها بالأسرة النادرة، وبالتالي علينا أن نكثف الإنفاق بشكل كبير على المشاريع الوقائية بالتعاون مع الأجهزة الحكومية الأخرى كوزارة التربية والتعليم والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الشؤون البلدية والقروية للخروج من مأزق علاقة النمو الخطية. وزير الصحة المكلف الدكتور عادل فقيه شخصية إدارية مميزة ونتوقع منه أن يقود فريقا لمعالجة أمراض العصر معالجة جذرية من خلال الحد من أسباب عواملها باعتبارها أوبئة لكونها بلغت نسبا مخيفة بل ومرعبة ويترتب عليها إنفاق هائل لإنشاء المزيد من المراكز الصحية والأطباء والفنيين والأدوية وغيرها، ونتطلع إلى أن يتحرك في مسارات غير مألوفة لتكوين تحالفات مع القطاعين الحكومي والخاص المعنيين بالتصدي لأسباب عوامل الأمراض الوبائية التي يتصدرها السمنة والسكر والضغط وأمراض القلب، ومن المعلوم أن تكاليف الوقاية أقل بكثير من تكاليف العلاج، إضافة لإمكانية ربطها بأهداف أخرى تحققها كالترفية وحماية الأطفال والشباب من مخاطر أخرى كمخاطر أوقات الفراغ والوقوع في الجريمة والمخدرات والمسكرات. هناك مقولة معروفة تقول "ارتفاع فاتورة الرياضة يخفض فاتورة الصحة بشكل كبير" والمجتمع الرياضي مجتمع صحي، وكلنا نعرف أن المجتمع الرياضي يتطلب ملاعب رياضية لكل الألعاب منتشرة في الأحياء، ونعرف أيضا أن المجتمع الواعي بالأمراض وأسبابها مجتمع قادر على تجنبها كما نعرف أيضا أن المجتمع الذي يحظى بجهات تؤمن له سلامة غذائه وشرابه وبيئته مجتمع أقرب للصحة منه للمرض، ولذلك نتطلع لتكتل تقوده وزارة الصحة لمجتمع صحي. الدكتور عادل فقيه منذ أن جاء لوزارة العمل كون منظومة عمل لمواجهة البطالة بالتعاون مع "هدف" و"التأمينات الاجتماعية" و"مؤسسة التدريب المهني والتقني" وأطلق برامج تنفيذية غير مألوفة "نطاقات" و"حافز" و"ساند" و"طاقات" وكان لها أثر إيجابي، فهل نرى برامج مماثلة ومتكاملة كهذه بالتعاون مع منظومة حكومية وخاصة للتصدي لأوبئة أمراض العصر. هذا ما أتوقعه.
إنشرها