Author

الكهرباء والاستقرار .. باكستان مثالا (1)

|
قبل وصول حكومة نواز شريف للحكم في أيار (مايو) 2013، كان قطاع الكهرباء في حالة تدهور مستمر حتى وصل إلى حال يرى فيه المحللون أنه كان السبب الرئيس في فوز الحكومة الجديدة على حساب سابقتها؛ ولهذا وعدت حملة نواز شريف بأنها ستتبنى كل ما يلزم لتقديم حلول عاجلة لتفادي تكرار انقطاع الخدمة الذي وصل في بعض المناطق إلى 20 ساعة متواصلة. تسببت الانقطاعات المتكررة في خسائر اقتصادية وصلت إلى 2 في المائة من إجمالي الناتج القومي سنويا، لكن قبل الخوض في تحليل الخطوات التي اتخذتها الحكومة لإنقاذ الاقتصاد من التدهور، لا بد من فهم وضع باكستان بأنها تواجه تحديات أمنية واجتماعية وسياسية معقدة جدا من فساد وبطالة وفقر وعجز في موازنة الحكومة وحرب ضد الإرهاب إلخ. ورغم ذلك راهنت حكومة شريف – على سبيل المثال – على مبدأ التفاوض السلمي مع حركة طالبان على الرغم من اعتداءاتها المتكررة في مختلف مناطق البلاد. هذا التوجه يدعمه الاقتصاديون بزعم أنه لا يمكن تبني أي أجندة تنموية طموحة بلا استقرار أمني ولا بيئة مسالمة وإلا تعرضت تلك الأجندة لخطر التدمير. لكن هذا النهج يختلف مع توجه الجيش، ويوجد خلاف حاد وجوهري نحو كيفية التعاطي مع طالبان، حيث يؤيد الجيش توجيه ضربات مباغتة وسريعة لطالبان. ولما تمادت طالبان أخيرا عندما اقتحمت مجموعة مسلحة من عشرة أفراد مطار كاراتشي الذي يعد الأضخم والأكثر ازدحاما وانشغالا في البلاد في حزيران (يونيو) الماضي مخلفا عشرات الضحايا، اضطرت الحكومة أن تلجأ للجيش - حيث لم تستطع الشرطة المدنية التعامل مع الموقف - وهو موقف أضعفه كثيرا أمام الرأي العام. ومع ذلك كله، كان إصلاح قطاع الكهرباء، ومازال، يعد أهم أولويات الحكومة لأن تكرار وطول مدة انقطاع الكهرباء دائما ما يتسبب في اشتعال مظاهرات حاشدة في مختلف مناطق البلاد، بل إن حتى القطاعين التجاري والصناعي يعانيان بشدة من أزمة انقطاع الكهرباء وشح إمدادات الغاز. تكتل "إنجرو" الذي يملك استثمارات ضخمة جدا في مجالات واسعة كصناعة الأسمدة والطاقة والغذاء والتجارة، أشار رئيس التكتل إلى أنه استثمر في مصنع للأسمدة كلف بناؤه 1.1 مليار دولار وذلك بعد الحصول على وعود قاطعة من الحكومة السابقة بتوفير الغاز لمدة 20 عاما وبأسعار مدعومة لأول عشرة أعوام، لكن المصنع لم يحصل على الغاز إلا لـ 45 يوما في أول عام تشغيل. حتى عندما نجح التكتل في الحصول على حكم قضائي من المحكمة العليا قامت الحكومة السابقة بتجاهل الحكم. طبعا لكم أن تتصوروا تبعات الإيقاف الكامل لتشغيل مصنع أسمدة بهذا الحجم، حيث اضطروا لإعادة جدولة سداد القروض وربما لجأوا لتسريح العمال لتخفيض الخسائر. هذا عدا المعاناة التي طالت استثمارات مشابهة وأثر ذلك كله على الاقتصاد الكلي. إلا أن المصنع حصل أخيرا على الغاز بعد أن تسلمت الحكومة الجديدة إدارة الدولة وقامت فعلا بتبني خطة تغيير جذرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لإنعاش الاقتصاد المتردي. وقبل الخوض في تفاصيل خطة إنقاذ قطاع الكهرباء تحديدا ومستوى أداء التنفيذ في مقال الأسبوع القادم، لا بد من استيعاب أن حجم التركة التي تسلمتها الحكومة الجديدة لا يمكن الاستهانة بها؛ وذلك لأن فهم طبيعة وعمق التحديات التي تسببت في عجز قطاع الطاقة على مر السنوات سيساعد في اقتراح حلول تتناسب مع طبيعة تلك التحديات. الجدير بالذكر أن الحكومة استطاعت الحصول على حزمة من القروض المستعجلة من صندوق النقد الدولي والمقدرة بـ 6.6 مليار في أيلول (سبتمبر) الماضي لتسيير الكثير من أمور الدولة العالقة. ومعروف أن أسلوب اعتماد صندوق النقد الدولي للقروض السيادية غالبا ما يرتبط بشروط صارمة لا تتقبلها الدول المقترضة بسهولة. تلك الشروط تتعلق عادة بإجراء إصلاحات هيكلية وجذرية في سياساتها الاقتصادية مستهدفة قطاعات حساسة (كالقطاع المالي والطاقة). والمهم أن صرف القرض وهو على دفعات يرتبط بمدى قناعة الصندوق بالتزام الحكومة بتطبيق هذه الشروط.
إنشرها