Author

هدية لكل شكوى

|
عاش المسؤول في أغلب دول العالم العربي داخل شرنقة يلفها حوله مَن يتبعونه من المستشارين والمديرين والمعاونين. أذكر أنني سمعت أحد المسؤولين يقول "لا تضيقوا صدر المعزب"، وكأنه أتى لمقر العمل ليتسلى ويسمع الأخبار التي تعجبه فقط. كلمة "المعزب" واحدة من أكبر علامات الفساد التي ينبغي التخلص منها. أظنها جاءت من مفهوم "العزبة"؛ وهي الضيعة التي يملكها الشخص ويملك ما فوق أرضها وما تحت سمائها. الأكيد أن "المعزب" عندنا هو مسؤول سيأتي يوم يخرج فيه من "العزبة" إلى داره التي لن تكون عامرة بأحد سوى زوجته، وهو ما يسبّب الانهيار الذي نلاحظه على كثير من المسؤولين بعد تقاعدهم. يتفنن كثيرون في ابتداع أساليب البقاء في المناصب بوسائل أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها ضارة بالمصلحة العامة في مقابل مصلحة الشخص نفسه وبقائه. والأمثلة كثيرة أبرزها رؤساء الدول الذين فضّلوا تدمير الدولة بكل ما فيها وما كان فيها إلى ما سيكون فيها مستقبلاً ليبقوا في المناصب، كما حدث في ليبيا، ويحدث في سورية وغيرها. كلما ارتفع مركز المسؤول اتسعت دائرة "المتمصلحين" الذين يضرهم سقوطه.. فرئيس الجمهورية ليس كالوزير أو المدير العام أو مسؤول المخابرات. القاسم المشترك بين المتمسكين بالكراسي هو رفض الملاحظات، والتصدي للشكاوى، وتجريم المنتقدين للأداء، وتحويل الأخطاء بعيداً عن الذات وإلصاقها بالغير، والاعتماد على الإحصائيات المغلوطة أو إعادة صياغة الإحصائيات لتبرئة ساحة المسؤول، وكراهية الصحافيين والكتاب والإعلام الشفاف؛ لأنه يهدف إلى تنوير المواطن عمّا يفعل به وله. لعل مشاهدة حلقة من البرامج الحوارية تفيد في فهم هذه الطائفة. إن من علامات النصح والصدق في العمل والإخلاص لله، ثم للوطن، أن يعتبر المسؤول الشارع بوصلته، ويجعل الصحافة والإعلام الصادق حليفه، ويعتبر النقد دليلاً يوجهه نحو تحسين الخدمة وإصلاح الأوضاع. هذا ما يحققه عديد من وسائل سبر الرأي العام التي تسهم في الحكم على الأداء وتحسينه. لكن، أن تقدم الإدارة هدايا لمَن يشكو من خدماتها، كما فعلت بلدية دبي، فذاك دليل على الانعتاق من أغلال الكرسي إلى فضاءات النجاح والتميُّز.
إنشرها