Author

هل تشعر بالسعادة في العيد؟

|
تطرقت من قبل إلى موضوع العيد والفرح في حياتنا وكيف ننظر إلى الفرح وكيفية تعاملنا مع الأفراح. وحتى نعطي الموضوع حقه نريد في البداية أن نجيب بكل صدق عن أسئلة تتبادر إلى أذهاننا منها: هل نشعر بالسعادة في العيد؟ وماذا يعنى لنا العيد؟ هل نحن بالفعل نريد أن نفرح في هذا اليوم ولكننا لا نعرف كيف؟ هل يختلف يوم العيد عن بقية الأيام؟ هل ثقافة الفرح لدينا مشوشة أم أنها لم تتكوّن بعد؟ أصدقني القول يا من تقرأ هذه السطور: هل تبتهج بالعيد؟ هل يمثل لك شيئا؟ هل ترى أنه مختلف عن بقية الأيام؟ هل سلوكياتنا وبرامجنا يوم العيد هي التي حولت أعيادنا إلى مأتم ولم يبق لنا من العيد إلا اسمه؟ والسؤال الأخير: من السبب وراء كل هذا؟ نرى يوم العيد الناس يرتدون أجمل الملابس وأثمن "البشوت" إلا أن وجوههم كالحة، ونظراتهم ساخطة، وعيونهم بائسة، أتوا كأنهم يحضرون مأتما رسميا. ولا أظنهم غير راغبين في إظهار الفرح، بل أراهم غير قادرين على إظهاره، يتحاشون أن ينطقوا بكلمة فتؤخذ عليهم فيدفعون بهذه المهمة لمن هم أجرأ منهم ويبقون مستمعين تستل من شفاههم الابتسامة أنهم يرون العيد يوما كئيبا ثقيلا غاية أمنيتهم أن يمر بسلام. إننا لا نرى فرقا بين أيام العيد وأيام رمضان إلا إباحة الطعام والشرب، أما مظاهر الفرح والبهجة فغير موجودة. نرى المدن أخذت جمالها وازينت فنرى العقود الضوئية المنتشرة في الشوارع الرسمية ونسمع العروض الشعبية تجوب أقطاب المدينة وترسل التهاني عبر الجوال والبريد الإلكتروني ويقابلك الناس فيعانقونك بحرارة، ولكن كل هذا لا يغير من الحقيقة شيئا؛ فأنا لا أشعر أن الناس فرحة مستبشرة سعيدة كما أراهم في بلاد العالم المختلفة رغم ما يعانونه هناك من الفقر والحاجة والفاقة وقلة ما في اليد وحروب مدمرة تسحق الأنفس والبشر والحجر. أرى أننا شعب حزين، كئيب، شحيح العواطف، فقير المشاعر لا نعرف كيف نفرح! لماذا نحرم أنفسنا من متعة الفرح وإظهار السعادة؟ أم أن ليس لدينا سعادة نظهرها؟ كيف وصلنا إلى هذه الهوة من رفض الحياة فيمر علينا العيد والأيام العذبة ونحن في توجس وخيفة وريبة نشد أعصابنا ونحطم عواطفنا ونحفل بالصغير وبالكبير؟ هل لا نفهم من العيد سوى الزيارات وتبادل التهاني والألعاب النارية والعروض الشعبية؟ هناك شيء غريب يحدث في حياتنا حرمنا من الاستمتاع بالفرح وإظهار السعادة. تُرى ما هو؟ هل العادات والمبالغة في النقد والخوف من إظهار الفرح سيطرت على حياتنا فأصبحت تلاحقنا حتى في الأعياد؟ أم أن أعباء الحياة طغت علينا بزخرفها وقسوتها فأصبحنا نستحضرها حتى في العيد؟ أم أن حياتنا لم تُشيّد على حب الحياة والشعور والعواطف والعلاقات الإنسانية؟ كي يكون للعيد في حياتنا معنى يتعين علينا أن نبني ثقافة الفرح في مجتمعنا على قاعدة عشق الحياة. يجب أن نعرف أن الله سبحانه وتعالى لم يرسل الرسل كي يفهم الناس الحياة، بل لنستمتع بها ونفرح. كما أنه سبحانه وتعالى لم ينزل الكتب السماوية للتهديد والوعيد بالعذاب الذي ينتظر الناس في الآخرة فقط، بل للتحذير من جحيم الدنيا الذي ينتظرنا إذا رفضنا عشق الحياة. كما يتحتم علينا إعادة النظر في بعض عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا حتى تستوعب ثقافة الفرح. ويتعين أيضا استحضار مكاسبنا وما أفاء الله به علينا من نعم حُرم منها الكثير ولا أقصد بذلك الدور والقصور والماديات فقط، بل دفء العائلة ولمّ الشمل والأمن في الأوطان والصحة في الأبدان. هل ندرك معنى أن نجتمع عائلة واحدة في مكان واحد وغيرنا مشتتون في قارات العالم لطلب الرزق بعضهم لم ير أمه أو أباه أو أخته لبضع سنوات، وإن رآهم فلن يعرفهم لأن جذوة الحياة قد غيرت ملامحهم. يجب أن نتذكر إخوانا لنا لا يستطيعون الفرح إما لحاجة وإما لكارثة وإما لمرض وإما لفاجعة وبعضهم فقراء معدمون يعيشون على هامش الحياة يدخلون إلى دنيانا هذه متسللين ويخرجون منها متسللين كما وصفهم مصطفى المنفلوطي في نظراته. العيد يعني الشعور بغاية السعادة وتذوق الفرح المعسول، ونحن بسلوكياتنا وبرامجنا وعاداتنا البالية ضيعنا على أنفسنا الاستمتاع بها؛ ففقدنا الشعور بالعيد حتى أصبح مجرد يوم كسائر الأيام لا يمثل لنا ولا لأبنائنا شيئا فيصعب علينا فيه إظهار البهجة ولو حاولنا اصطناعها. لقد رأينا شعوبا تعرف كيف تحتفل بالأعياد وتستمتع بالحياة والأيام العذبة، وتعرف كيف تظهر الفرح، وأنك لترى الرجل أو المرأة يوم العيد يكاد أن يخرج من جلده من ما يشعر به من بهجة وفرط حبور بخلاف ما نراه في ثقافتنا المحلية التي تحاسب حتى على البهجة!! ولقد حاول البعض استحضار بعض عادات الأعياد من شعوب تعرف كيف تفرح وحاول أن يوطنها في بلادنا إلا أن ثقافتنا رفضتها.. عندها تيقنت أننا نشأنا على نبذ الحياة فمن يريد أن يشعر بالفرح فعليه أن يقضي العيد مع الشعوب التي تعشق الحياة وتحب الناس وتتذوق السعادة.
إنشرها