Author

المياه التي قد تغرق العالم بالجفاف

|
التحذيرات من نقص عالمي في المياه ليست جديدة، إلا أنها أخذت شكلاً مختلفاً في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد أن وضعت عدة جهات دولية المياه، قبل التغيير المناخي في قائمة المخاطر العالمية. بل ذهب بعضها أبعد من ذلك، عندما حذر من إمكانية نضوب المياه قبل النفط. واللافت أن التحذيرات الجديدة، لا تشمل دولاً ومناطق في العالم تعاني الجفاف التاريخي أصلاً، بل دولاً تتمتع بوفرة مائية هائلة. وهي تحذيرات أدخلت في سياق مباشر الآثار السلبية (بل والخطيرة) التي يتركها حراك مؤسسات كبرى، تخوض غمار الإنتاج في كل شيء. من الغذاء والمشروبات إلى النفط والطاقة والتعدين والكيماويات والورق والإلكترونيات، وحتى تلك المشغلة لبرمجيات الكمبيوتر، والمحركات الكبرى، مثل جوجل وياهو وغيرهما. المسألة لم تعد تختص فقط بجفاف موسمي أو دائم، ولا بسوء توزيع المياه، ولا بالهدر، ولا بالتخريب البيئي بحجة التنمية. بل باتت جزءاً أصيلاً من المخاوف العالمية، التي تشمل حتى البلدان ذات الوفرة المائية، والاستهلاك الراشد لها. ومنذ عدة سنوات، بدأت المؤسسات الكبرى في تقديم مساهمات مالية (بعضها كبير جداً) في سبيل دعم العوامل المحافظة على المياه، إلى جانب إنفاقها المباشر على المياه المستخدمة في صناعاتها وإنتاجها. فعلى سبيل المثال، بلغ إنفاق قطاع التعدين على المياه في العام الماضي 3.4 مليار دولار، في حين يتوقع المختصون أن يصل حجمه في نهاية العام الجاري إلى 12 مليار دولار. وتحولت بعض هذه المؤسسات إلى تحلية مياه البحر، لخدمة إنتاجها. وتحاول أن تحافظ على علاقات غير مضطربة مع الجهات الفاعلة على صعيد حماية البيئة والمصادر الطبيعية العالمية. وقد زادت في العقد الماضي تكاليف الإنتاج في المؤسسات المشار إليها، لهذا السبب. فشركة "كوكا كولا" أنفقت في العام الماضي ما يزيد على ملياري دولار للحد من استخدام المياه، إضافة إلى تحسين نوعية المياه في كل مكان تعمل فيه حول العالم، بما في ذلك بريطانيا والهند. وفي هذه الأخيرة انطلقت مظاهرات ضد هذه الشركة، بسبب تأثيرها السلبي في الإمدادات المائية في المناطق التي تعمل فيها. وهناك الكثير من الأمثلة في هذا الصدد، بما في ذلك تحول شركة "جوجل" تدريجياً إلى استخدام مياه التحلية لتبريد خوادمها الهائلة في أكثر من بلد، من ضمنها بلدان تتمتع بنسبة عالية جداً من المياه العذبة الطبيعية. والمشكلة لا تكمن فقط في الاستهلاك الإنتاجي للمياه، بل أيضا بالاهتمام السياسي المتواضع بها. لا تتوزع المياه العذبة على نحو متساو أو عادل بين دول العالم. وتكفي الإشارة، إلى أن 60 في المائة من هذه المياه موجود في تسعة بلدان فقط، بينها البرازيل والولايات المتحدة. وهذه الحقيقة تظهر للعيان في ظل عدد السكان المتزايد حول العالم، ومناخ متغير بصورة خطيرة، ووجود طبقة وسطى متنامية عالمياً. ويؤكد المختصون، أن هذه العوامل تزيد من المخاطر حول مستقبل المياه، وتدفع للنظر إلى المسألة من زاوية تفوق حتى المخاطر التي قد تنجم عن نقص إمدادات الطاقة، خصوصاً من ذهاب هؤلاء في تشاؤمهم إلى درجة أنهم يتوقعون نفاد المياه قبل النفط. وسواء كان هذا صحيحاً أو مبالغاً فيه، فإن المسؤولية لم تعد تخص بلدا بعينه، ولا حتى منطقة جغرافية تضم أكثر من بلد. إنها مسؤولية عالمية. والأهم.. هي مسؤولية حكومات ومؤسسات، ولا سيما تلك المتعددة الجنسية، وبالطبع مسؤولية الأفراد. وإذا كانت أقل أهمية عند الحكومات من التغير المناخي، فهي في الواقع في صلب هذا التغير. فشح المياه في عديد من المناطق، يعود في الأصل إلى تغير مناخي خطير، يأخذ أشكالاً متطرفة باطراد.
إنشرها