Author

العيد بين آلام الواقع والفرح المشروع

|
أكتب هذا المقال ونفسي مترددة، وخيالي يجوب واقعنا المرير على كل الأصعدة مع زيادة الجفاف العاطفي الذي يزداد يوما بعد يوم في زماننا الصعب الذي نعيشه، ومع أيام العيد نتذكر معاني العيد الأساسية، فالعيد اسم لكل ما يعتاد، والأعياد شعارات توجد لدى كل الأمم، سواء أكانت كتابية أم وثنية أم غير ذلك؛ ذلك أن إقامة الأعياد ترتبط بفطرة طبع الناس عليها، فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات فرح يظهرون فيها السرور ويتذكرون الماضي. وأعياد الأمم الأخرى ترتبط بأمور دنيوية، مثل قيام دولة أو سقوطها، أو تنصيب حاكم أو تتويجه أو زواجه، أو بحلول مناسبة زمانية كفصل الربيع، أو غير ذلك. ويتكرر العيد عندنا أمة الإسلام كل عام مرتين، عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى، ونشهد اليوم عيد الفطر المبارك، وتتكرر معه معاني الفرح بإتمام شهر الصوم، وإشباع الروح والنفس من روحانيات الشهر التي تشبع بعبادات شتى كقراءة القرآن وقيام الليل وصيام النهار وإطعام المساكين وصدقة الفطر، فهذه العبادات لها معان عميقة في النفس، لذلك من قام بها بإخلاص فإن آثارها تبقى منحوتة في النفس حتى رمضان الآخر، ومع قدوم العيد تظهر مظاهر الفرح، لكن أحداث غزة والحصار الطويل والقتل والتشريد الذي يمارسه الكيان الصهيوني تحت صمت عالمي، وكأن القانون الدولي مات وينتظر دفنه نهائيا، والمؤسف أن الساحة الفلسطينية أصبحت موطن صراع سياسي بين القوى المحلية والإقليمية، وليس العراق ببعيد في ظل التورط الإيراني وإدارة العراق بالوكالة، وأما سورية فما زالت تنادي وتستغيث، نسأل الله لها ولشعبها الانتصار، واليمن ليست ببعيدة.. إنها آهات من بين آهات تتقطع منها القلوب حسرة على الشعوب التي دفعت ثمن الظلم والاضطهاد والفقر، ومع ذلك يجب ألا يموت الأمل، ويجب ألا تغتال فرحة العيد بسبب ما يحصل في عالمنا حتى على مستوى المصائب الشخصية. إن النفس البشرية قد تمل من فرط الإلحاح على معنى واحد، ولو كان صواباً في ذاته، فالجد الصارم يملّ، ولا بأس أن نوقف معزوفة الحزن والندب لنُشِمَّ قلوبَنا شيئاً من عبير الفرحة بالشرع والهداية والتوفيق. وثمة معنى لطيف يتصل بهذا السياق، وهو التذكير بأنه لا شيء من أمر الحياة الدنيا يدوم. فيومٌ علينا ويومٌ لنا ويومٌ نُساء ويومٌ نُسَرّْ والله تعالى بيده الأمر، يخفض القسط ويرفعه، كل يوم هو في شأن، وليست الذلة والمرارة التي نعيشها هذه الأيام في عالمنا العربي والإسلامي حتماً صارماً لا يزول، والتاريخ لا يعرف الكلمة الأخيرة، بل هو في دورات متعاقبة، يتحقق فيها التقديم والتأخير، والعلو والهبوط، والتمكين والاستضعاف، ولا شيء يدمر إمكاناتنا، ويجرها إلى اليأس والقنوط والانتحار مثل الإحساس بالعجز والتوقف عند حالٍ خاص. لقد أدركنا العيد هذا العام ونحن هدف لتغييرات في عالمنا العربي، ومحاكمة الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وإدانة المجتمعات المسلمة، ومحاكمة الشعوب، وتصفية الحسابات. ولقد رأيت المرارة وقرأت الحزن الدفين في شاشات الفضائيات، وفي كلماتهم وعباراتهم وأحاديثهم. وهذه حالة فاضلة من حيث صدق الولاء لهذا الدين، وعمق التفاعل مع جراح الأمة وآلامها ونكباتها. لكن تعديل المزاج بجرعة من الفرحة الغامرة والضحكة الصادقة، واستعادة البراءة الطفولية قد تعيد تشكيل النفس، وتجدد عزيمتها وترفع همتها، ومن الحكمة البالغة القدرية أن الله - تعالى- غشَّى المسلمين النعاسَ حين احمرت الحدق، واشتد الخوف، وأصابهم القرح في أحد، فكشف به عنهم غائلة الشر، وأعاد به إليهم السكينة والرضا والاطمئنان. إن العيد جزء من نظام الأمة الرباني، يصل ماضيها بحاضرها، وقريبها ببعيدها، ويربي ناشئتها على الانتماء الحق لها، ويربط أفراحها بشرائع دينها، التي هي معراجها إلى الكمال والقوة والانتصار. وليس يحسن أن تجوز عليه المتغيرات، فينسى الناس كونه عيداً، ليتحول عندهم إلى مناحة. فلو كانت أحداث العالم الإسلامي تمنعنا من فرحة العيد لما فرحنا بأي عيد؛ لأن مشاكل العالم الإسلامي لم تنقطع، بل تكاد تكون كل مشاكل العالم محصورة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فرحة العيد تتطلب الاستعداد النفسي والمادي والاجتماعي لها حتى يكون للعيد مذاقه الخاص، وينبغي أن يكون ذلك شاملا لجميع أفراد الأسرة، وألا يكون حكرا على الأطفال، فالعيد للكبار والصغار وفق تناغم أسري اجتماعي. إن فرحة العيد فرصة لاستجماع الروح والفكر والاجتماعي العائلي، وتنشيط عبادة صلة الرحم، والمؤمن ينتقل من عبادة إلى غيرها حتى يأتي أمر الله. أسأل الله أن يحقق لأمتنا مزيدا من التقدم والازدهار بعيدا عن الظلم والعنف والاضطهاد.. وفي الختام أقول لكم أحبتي: عيدكم مبارك، وتقبل الله منا ومنكم، وغفر الله لنا ولكم.
إنشرها