Author

غزة .. والدم الفلسطيني .. وحماس

|
دماء، أشلاء، ضحايا أبرياء، دمار، خراب، خوف، ودخان، رائحة الموت تملأ الأركان، يا ويح قلبي يا غزة، يا وجع الجنان وجرح الفؤاد يا غزة. أكتب إليكم وأنا أرى العالم كله تقريبا أضحى يسعى حثيثا، ويطالب جاهدا بوقف العدوان الهمجي لقوات الاحتلال الإسرائيلية على القطاع المكلوم، وكذا وقف إطلاق تلك الصواريخ الحمساوية المنطلقة من ذات القطاع والمنفجرة في غالبها في الهواء؛ لتخلق ذريعة واهية، مضللة، يستتر خلفها العنصري المحتل ليداري بها فظاعة جرائمه، وليعلل بها استمرار سفك الدم الفلسطيني الطاهر بزعم ملاحقة المهدد الأمني ومكافحة الإرهاب! المجتمع الدولي برمته – تقريبا - يطالب الآن بهدنة توقف أي مبررات مزعومة تتذرع بها قوات الاحتلال لتبرير اعتداءاتها البربرية، التي لا أراها إلا شكلا من أشكال الإبادة الجماعية، التي ما فتئ يقترفها المحتل الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل. فالجهود الدبلوماسية السعودية والعربية والإسلامية والدولية الرامية لحقن الدماء، في هذه الأحداث الأخيرة بالذات، لم تتوقف، منذ أن سارعت المملكة، وفور اختفاء المستوطنين الثلاثة، بإدانة الاعتداءات الوحشية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني بحجة البحث عن هؤلاء المختفين، وبادرت المملكة حينها بمناشدة المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن إلى التحرك العاجل والسريع، وأن يضطلع بمسؤولياته، لوقف الإجراءات التعسفية والعقاب الجماعي الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وقد كان المجتمع الدولي إذ ذاك منقسما على نفسه، بحجة حق السلطات الإسرائيلية المحتلة في البحث عن "المراهقين الإسرائيليين المختطفين". إلا أن بيان المملكة وقتها، وتحركاتها الدبلوماسية السريعة على مختلف الأصعدة الثنائية، والمتعددة، أرادت إيصال رسالة واضحة للمجتمع الدولي لا لبس فيها، تكشف زيف الادعاءات الإسرائيلية الواهنة، وتقول بوجوب التفريق بين البحث والتحري، وبين التعسف والعقاب الجماعي لمن لا وزر له ولا ذنب، متخوفة من أخذ ذلك ذريعة للقيام بأعمال وحشية، وكأنها تنبأت بما سيحدث من تصعيد كارثي سافر بحق الفلسطينيين، وهو ما تم، حيث ما لبثت هذه الأحداث أن تصاعدت بشكل دراماتيكي مأساوي، خاصة بعد أن تبين أن المستوطنين الثلاثة جرى قتلهم بدم بارد من قبل شبان فلسطينيين، لم تثبت حتى الآن علاقتهم بأي فصيل فلسطيني، ولتقوم بالمقابل، وعلى إثر ذلك، مجموعة مستوطنة يهودية متطرفة بارتكاب جريمتها الوحشية البشعة، بخطف وتعذيب وقتل وحرق الطفل الفلسطيني البريء الذي لا ذنب له، محمد أبو خضير - يرحمه الله، وحينها ازدادت وتيرة الضغوط الدبلوماسية السعودية والعربية. لكن؛ ما أن بدأت تلك الجهود تؤتي ثمارها، وبدأت وسائل الإعلام الدولية تتناقل فظاعة الجرم المشهود، وهو ما انعكس إيجابا على كيفية تعاطي المجتمع الدولي مع هذه الأحداث المأساوية، ولمسنا جميعا وجهات النظر الدولية وهي تتكاثف خلف وجهة النظر العربية، وبدت الضغوط الدولية وهي تصب تجاه إسرائيل، متفقة على التنديد بالعدوان، بعد أن كانت منقسمة، وبدأ الرأي العام الدولي يرفض سياسة العقاب الجماعي، ما حدا بالإسرائيليين، وفي محاولة منهم لامتصاص الغضب الدولي، أن يعلنوا عن القبض عن الإرهابيين اليهود الذين ارتكبوا هذه الجريمة غير المبررة، وأن إسرائيل في طور التحقيق معهم تمهيدا لمحاكمتهم، وفي قمة هذا المأزق الإسرائيلي أمام العالم، وفي قمة الحرج الدولي، الذي كان قاب قوسين لينجح في كبح جماح تلك الاعتداءات العمياء التي تضرب هنا وهناك، في خضم هذا، تنطلق "الصواريخ" الحمساوية من بين بيوت المدنيين– في تلك اللحظة- في قطاع غزة، ودون تنسيق مسبق مع القيادة الفلسطينية، ولتستفرد حماس بهذا القرار، ولتكون "صواريخها"- التي لا تحمل في غالبيتها رؤوسا متفجرة بحسب الخبراء- بمثابة طوق النجاة للآلة الدعائية التضليلية الإسرائيلية، ولتصبح الذريعة الجديدة التي "تبرر" استمرار القوات الإسرائيلية السادية في استباحة الدم الفلسطيني! بحجة كاذبة مزعومة تسوق لها عبر وسائل الإعلام الغربية "الدفاع عن النفس من هذه الصواريخ، ومحاربة بؤر الإرهاب وبنيته التحتية"! لقد التقطت قوات الاحتلال هذه الإشارة بما يشي بالفرح! وبدت وكأنها فرصة أهدتها إياها "حماس" لتصب على أهالي هذا القطاع عاصفة من النيران لا طاقة لهم بها، لتقتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، وتهجر الآلاف من الغزيين ليصبحوا مشردين هائمين على وجوههم بلا مأوى في هذه الأيام المباركات! فما كان من الدول العربية وعلى رأسها المملكة ومصر إلا أن تداعت لتدارس هذه التطورات الخطيرة، فقدمت مصر مبادرتها للتهدئة بطلب من القيادة الفلسطينية، وطلبت الكويت اجتماعا طارئا لوزراء الخارجية العرب، الذين أصدروا بيانهم في جامعة الدول العربية، والتأم مجلس الأمن بناء على طلب الكتلة العربية، ليصدر بيانه الذي وصفته الجامعة بأنه "لا يرقى إلى مستوى الحدث" وأكدت دعمها للمبادرة المصرية، في حين حذرت المملكة من الوضع المأساوي الذي وصلت إليه الأوضاع من جراء تصاعد العدوان الوحشي الإسرائيلي، وما يقترفه من جرائم حرب ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، مجددة مناشداتها ودعواتها للمجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته لحماية الشعب الفلسطيني ومواجهة حرب الإبادة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية ضده، مؤيدة البيان الصادر عن وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ وما اشتمل عليه من قرارات، مؤكدة "ضرورة التحرك على الصعيد الدولي لنصرة الشعب الفلسطيني ورفع الظلم عنه"، وحين استجابت المجموعة الدولية وأيدت المبادرة المصرية وباشرت الضغط على الجانب الإسرائيلي للقبول بها، مما اضطره لقبلوها - في أول الأمر - للتغطية على جرائمه، وإذ بنا جميعاً نفاجأ بالرفض من حماس! ولتُسارع إسرائيل بالتقاط الإشارة الثانية لتواصل البروبغاندا التضليلية، وتستمر في العدوان، وصولا للاجتياح البري! إن تسلسل هذه الأحداث بهذا التوقيت، وهذه الكيفية، منذ خطف فلسطينيين للمستوطنين الثلاثة وقتلهم، وما عقبها من اعتداءات وحشية تقوم بها قوات الاحتلال بحجة "البحث عن المجرمين"، فالجريمة الإرهابية البشعة بحق الطفل أبوخضير، وما تلاها من جهود دبلوماسية عربية نجحت في الوصول لاتفاق دولي على الإدانة، لتأتي صواريخ حماس بمثابة المنقذ لرواية الاحتلال ولتبرير عملياته، وتركيز هجماته على القطاع لإجبار الفلسطينيين في غزة على خيارين لا ثالث لهما – بزعم الخطة الإسرائيلية الجبانة - إما تعريضهم للقتل والإبادة الجماعية، أو نزوحهم وهروبهم باتجاه سيناء للنجاة بأرواحهم، وهو ما يعرفه تماما الجانب المصري، ليقف بشجاعة وحزم وقوة في دعمه لصمود الغزيين على أرضهم. أقول إن ذلك كله، وفي هذا التوقيت، وبهذه اللحظة الحرجة التي تمر بها منطقتنا، في العراق وسورية ومصر، ومفاوضات (5+1) مع إيران حول مشروعها النووي، التي (كانت) تمر في منعطف حرج قبيل عملية اختطاف المستوطنين، ولنرى أنه ومع إطلاق الوجبة الثالثة من صواريخ حماس، جرى الإعلان عن تمديد جديد لمهلة المفاوضات ولتتحرر أموال إيرانية لتعود لخزينتها بعد أن كانت مجمدة وفق العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، أقول إن ذلك كله، يدعونا للتساؤل: "لِمَ تصر حماس على عدم الإيجابية مع الجهود الدولية الرامية لنزع الفتيل ووقف شلال الدم؟!
إنشرها