Author

«القطط السمان» في دائرة «النهش» مجددا

|
قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، لم تكن مسألة الرواتب الخيالية التي يتقاضاها المديرون التنفيذيون في المؤسسات والشركات في الغرب، مطروحة للنقاش، حتى في أوساط الجمعيات العمومية لهذه المؤسسات، التي كانت تشهد اعتراض نسبة من الأعضاء، لكنها لم تكن تشكل ثقلاً تصويتياً.. في السنوات الخمس الماضية. فالمديرون التنفيذيون كانوا "يسحرون" مؤسساتهم بصور مختلفة، وهمية وحقيقية. وغالباً ما تكون وهمية، بدليل المصائب التي حلت بهذه المؤسسات من جرّاء انفجار الأزمة، التي شكلوا هم أنفسهم أهم عناصرها، إلى جانب عوامل أخرى مختلفة، من بينها الحكومات، ووكالات التصنيف، والمصارف المركزية، وغيرها. كانت مصائب داخلية بروابط قاتلة خارجية. ووفقاً للقاعدة المعروفة، عندما تحل الأزمات، تنطلق "العيون" في الدوران حول حجم الإنفاق، وكيفية تخفيضه. قبل خمس سنوات، انقلب "السحر على الساحر". ويستحق باراك أوباما "كأس العالم" في ذلك، لأنه أول من تبنى (على الساحة الغربية) حرباً على المديرين التنفيذيين على جبهتين. الأولى دورهم في انفجار الأزمة، والأخرى في رواتبهم الخرافية التي يتقاضونها. ورغم الأزمة ومصائبها، كان لدى هؤلاء الشجاعة لمنح أنفسهم مكافآت مالية ضخمة، بينما كانت مؤسساتهم تتلقى الدعم الحكومي لإنقاذها، وبعضها خضع للتأميم الكلي في قلب النظام الاقتصادي الغربي الحر! الأوقات تتغير بصورة طبيعية، فكيف الحال عندما تتغير بشكل غير طبيعي؟! أو بمعنى أصح، تتغير بفعل كارثة حقيقية ألمت بالعالم أجمع، من جرّاء تخريب أسهم فيه أولئك الذين يمنحون أنفسهم الرواتب الهائلة والمكافآت الضخمة على إنجازات معاكسة! الحملة ضد الرواتب الخرافية للمديرين التنفيذيين انتقلت بسرعة من الولايات المتحدة إلى أوروبا. وبدأت بالفعل حرب ضد هؤلاء، كانت ساحاتها الأولى المؤسسات التي خضعت للإنقاذ الحكومي، وبقية المؤسسات الأخرى. ورغم ذلك، تمكن مديرون في شركات كبرى من النجاة على الأقل في المرحلة الأولى لهذه الحرب، إلا أنهم لم يستطيعوا المواصلة. فهذه شركة "نستله" السويسرية للمنتجات الغذائية، تشن حرباً على مديرها التنفيذي، الذي أظهرت البيانات أنه يتقاضى راتباً شهرياً، يساوي راتب موظف في المؤسسة خلال 19 عاما! تظهر هذه الحقيقة، رغم أن السويسريين صوّتوا لمصلحة مبادرة شعبية قبل عامين، دعت إلى تقليص الفجوة في الرواتب. وفي بعض الشركات بلغ الفارق بين راتب المدير التنفيذي وموظف في المؤسسة نفسها (1: 230)! وأظهرت البيانات أيضاً، أن أقل فارق هو (1: 24)! في سويسرا تشكل هذه الفوارق أهمية شعبية أكثر من غيرها من البلدان. ليس لأن البلدان الأخرى لا تهتم، بل لأن النظام التشريعي السويسري يفتح الآفاق أمام أي فرد في المجتمع، لطرح مشروع قانون، يمكن أن يقر عبر البرلمان ويتم تبنيه. وكانت هذه القضية في صلب تحرك شعبي في هذا المجال. ورغم إقرار القانون، إلا أن المؤسسات والشركات في سويسرا استمرت في نهجها الخاص في الدرجات والرواتب والمكافآت. وشكلت البيانات الأخيرة فضيحة حقيقية على الساحة الاقتصادية ــ الاجتماعية في البلاد. بالتأكيد لا يحب المديرون التنفيذيون الخوض في غمار رواتبهم و"آفاقها"، وهم يستندون في ذلك إلى أن الأمر خاضع لسوق العمل؛ بل إن بعض المتطرفين منهم، هدد بنقل مؤسسته إلى خارج سويسرا، احتجاجاً على الحملة الشعبية. ربما يكون الأمر متعلقا بسوق العمل، ولكن ليس بعد الأزمة الاقتصادية العالمية. فهذه الأخيرة التي انفجرت عام 2008، وضعت معاييرها بل شروطها على كل شيء تقريباً، بما في ذلك رواتب "القطط السمان" في أنحاء العالم. ولعل من أهم هذه المعايير، أن السوق الحرة لا ينبغي أن تعمل فقط بقيمها المجردة، بل يجب أن تخضع أيضاً إلى القيم الأخلاقية. ألم يكن السبب الأول والمباشر للأزمة الكبرى، غياب الأخلاق عن السوق؟!
إنشرها