Author

الاقتصاد الإسلامي .. سير في طريق غلط

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
أنشئت أقسام تحمل اسم "اقتصاد إسلامي"، بغرض تأهيل متخصصين فيما سمي بهذا الاسم؛ أعني الاقتصاد الإسلامي. ومن المؤكد أن الرعيل الأول ممن أسسوا تلك الأقسام، باعتبار الاسم تخصصا، من المؤكد أنهم حملوا هذا التخصص إزاء أو مقابل علم الاقتصاد، الذي ميزوه بمسمى الاقتصاد الوضعي. ولكن منهج ومحتوى كتاباتهم ومصنفاتهم تدل على أنها أقرب إلى فقه المعاملات وفقه السلوك الاقتصادي. وهذا جعل ويجعل عموم الاقتصاديين؛ أعني المتخصصين في الاقتصاد، يرون أن أولئك قد أساؤا أو أخطأوا فهم علم الاقتصاد، وخلطوا بينه وبين النظم الاقتصادية. من الصعب الإكثار من الاستشهاد بأقوال الرعيل الأول في هذا المقال، ولكني سأستشهد بكلام الدكتور عيسى عبده رحمه الله. وسبب اختياري أنه كان- في نظري- أهم الكاتبين من الرعيل الأول في الاقتصاد الإسلامي. وقد تأسس قسم الاقتصاد الإسلامي في جامعة الإمام في الرياض مع نهاية القرن الرابع عشر الهجري مستندا إلى آرائه إلى حد كبير، وهو أول من أشرف على أول رسالة دكتوراه فيما سمي الاقتصاد الإسلامي. سجلت الرسالة في كلية الشريعة في الرياض، وصاحبها لا دراية له بعلم الاقتصاد، بل المشرف نفسه الدكتور عيسى لم يكن متخصصا في علم الاقتصاد، مثله في ذلك مثل جمهور الكاتبين في الاقتصاد الإسلامي من الرعيل الأول. يقول الدكتور عبده في كتابه "الاقتصاد الإسلامي مدخل ومنهاج" ص4- 1974): "يبحث (يقصد علم الاقتصاد) الاقتصاد في كسب المعاش وإشباع الحاجات والادخار والاستثمار وفي ملكية الأشياء وتملكها.. فإذا كان الإسلام قد خلا من وضع القواعد لكل ما تقدم ذكره، فهل يكون شرعا كاملا؟ وإذا كان الإسلام برسالته الخالدة قد أهمل النظر في مقومات الحياة الدنيا، وترك هذا الأمر لمفاليك القرن التاسع عشر، ومن جاء بعدهم فهل يكون هذا الشرع كاملا؟" انتهى النقل. الموضوعات أو العناوين التي مثل بها الدكتور عيسى، تبحث أيضا في علوم أخرى كالفقه والقانون والمالية وإدارة الأعمال والمحاسبة وعلم النفس. ولا يعني ذلك أنها تبحث كلها في كل علم من هذه العلوم. ولكن الرعيل الأول نظر إلى المسميات دون تقص في منهجية البحث ومنحى وأصول وطبيعة علم الاقتصاد، التي تميزه عن غيره من العلوم. وبما أن أكثر العبارات والكلمات الاقتصادية الشائعة في العصر الحديث، وخاصة عبارات "اقتصاد" و"علم الاقتصاد" و"منهج البحث الاقتصادي"، لا تفهم حسب معناها اللغوي (القديم)، بل تفهم في إطار أنها ترجمة لكلمات تحمل معنى أو معاني اصطلاحية معاصرة، مصدرها الغرب، وليس الحضارة العربية الإسلامية طيلة القرون التي سبقت عصر الثورة الصناعية وتطور العلوم الحديثة، فإنه ينبغي أن نبدأ النقاش بالبحث عن مصدر المعاني الشائعة لتلك العبارات والكلمات. هذه قضية جوهرية. قد تبدو القضايا التي تثيرها تلك الأسئلة للوهلة الأولى غير مهمة كثيرا عند البعض، ولكنها ليست كذلك. فمثلا كلمة علم في عبارة علم الاقتصاد لا تعطي نفس مدلول كلمة علم في عبارة علم الفقه. ومثال آخر أن البعض عد كتبا من قبيل كتاب "الخراج" لأبي يوسف من كتب علم الاقتصاد، وهذا غير دقيق، وإن كان هذا لا يلغي احتواءه على تصورات وأفكار متفقة مع أو تعد بطبيعتها مما يبحث في علم الاقتصاد، وهذا مطرد في عموم العلوم والمصنفات، فكثير من كتب الفقه، مثلا، تحوي أفكارا طبية. وبالله التوفيق، وعيد سعيد للجميع.
إنشرها