Author

التحرير الجزئي لأسعار الغاز الطبيعي

|
طرحت المملكة مبادرة للبحث عن الغاز الطبيعي غير المصاحب للنفط منذ أكثر من عقد من الزمن. وقد فتحت المبادرة المجال أمام شركات الطاقة العالمية للبدء في الاستثمار والبحث عن الغاز الطبيعي في الربع الخالي. وبعد أكثر من عقد من الزمن تحقق بعض النجاح في استكشاف كميات لا بأس بها من الغاز الطبيعي، ولكنه كان أقل مما كان مرجواً في السابق. وقد انسحبت بعض الشركات من عمليات البحث والتطوير. وتشير العديد من المصادر المتخصصة في الطاقة إلى نية شركة شل التخلي عن الاستمرار في مشاريع الغاز الطبيعي في مناطق الربع الخالي، وتنهي الشركة بذلك عقداً من البحث عن الغاز في هذه المناطق. وتصف مصادر الشركة بأن القرار كان صعباً، من جهةٍ أخرى أكدت الشركة استمرار مشاريعها الأخرى في المملكة. وكانت جهود الشركة قد أفلحت في اكتشاف الغاز الطبيعي في حقل كيدان، الذي يقع بالقرب من حقل شيبة النفطي العملاق. ونتيجةً لهذا ستتوقف الشركة عن ضخ استثماراتها في هذا الحقل. ويحوي حقل كيدان كميات جيدة من الغاز الطبيعي ولكن وجوده في بيئة قاسية، وبعده عن مراكز تجميع الغاز، ومعاناة الغاز المكتشف في هذا الحقل من ارتفاع الحموضة، ووجوده على عمق كبير يرفع كثيراً من تكاليف تطويره وإنتاجه. وقد سبق أن تحدثت مع أحد مسؤولي الشركة قبل نحو عام، وقد أشار هذا المسؤول إلى استحالة إنتاج الغاز الطبيعي من هذا الحقل عند أسعار الغاز الطبيعي الحالية التي تبلغ ثلاثة أرباع دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية. وأردف المسؤول بأن أسعار خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية قد تكون كافية لتطوير عمليات الإنتاج في هذا الحقل. من جهةٍ أخرى لم تفلح جهود أربع شركات عالمية أخرى في العثور على كميات كبيرة من الغاز في الربع الخالي، ما عدا شركة لوك أويل الروسية التي اكتشفت حقلا صغيراً للغاز ولكنها تحاول الحصول على أسعار تفوق أسعار الغاز الطبيعي المدعومة كي تتمكن من تحقيق أرباح من وراء تطوير هذا الحقل. ويعود - بالدرجة الأولى - انسحاب الشركات العالمية من مشاريع البحث عن الغاز الطبيعي وتطوير مشاريعه إلى تدني أسعار الغاز الطبيعي المحلية الحالية، وهذا يؤكد أنه لا يوجد مجال لتطوير مصادر الغاز من قبل الشركات العالمية إلا من خلال رفع أسعار الغاز الطبيعي المحلية. وتؤثر أسعار الغاز الطبيعي المحلية على تكاليف إنتاج قطاع واسع من المنتجات أهمها البتروكيماويات وبعض الأسمنت وتكاليف إنتاج الكهرباء والمياه المحلاة. وزيادة أسعار الغاز الطبيعي المحلية سيرفع من أسعار هذه المنتجات والخدمات ويخفض من الميزة النسبية لصناعة البتروكيماويات. فهل يمكن رفع أسعار الغاز الجديد المكتشف والحفاظ على الدعم المقدم حالياً لمستهلكي الغاز سواء في قطاع البتروكيماويات أو القطاع الصناعي بشكل عام أو في قطاعات الاستهلاك الأخرى كقطاعات توليد الطاقة وتحلية المياه؟ والجواب أنه يمكن القيام بذلك من خلال ما يمكن تسميته بالتحرير الجزئي لأسعار الغاز الطبيعي (أو على الأقل رفع أسعار الغاز الجديد إلى مستويات التكلفة)، والمقصود هنا هو تحرير أسعار الغاز الطبيعي المكتشف الجديد وإبقاء أسعار الغاز القديم على حالها. وبمقتضى هذا يتم إبقاء أسعار كميات الغاز المنتج حالياً عند 75 سنتاً للمليون وحدة حرارية، ورفع أسعار الغاز المكتشف الجديد إلى أربعة أو خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية. وسيبقِي التحرير الجزئي على كميات الغاز المدعومة حالياً عند مستويات ثابتة وفي الوقت نفسه سيشجع المنتجين الجدد على الاستثمار وزيادة الإنتاج. ويمكن القيام بالتحرير الجزئي من خلال طريقتين، حيث تقوم الطريقة الأولى على أساس تحديد الأسعار القديمة لكميات الغاز القديم المنتج وتوزيعها بين المستهلكين الحاليين حسب نظام حصص مبني على كميات الاستهلاك التاريخي، بينما تفرض الأسعار المحررة على كميات الغاز الطبيعي الإضافي الجديد. وقد ينتج عن أسلوب توزيع الحصص بعض الفساد من خلال التلاعب بالحصص، وهذا يتناقض مع أهداف الدعم العامة. أما الطريقة الثانية التي أرى أنها أفضل فتتلخص في تسعير كميات الغاز الجديد بأسعار تغطي التكاليف وأرباح مجزية للمنتجين - مثلاً أربعة أو خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية - ثم إضافة تكاليف الغاز الجديد إلى تكاليف الغاز القديم مما ينتج عنه سعر جديد مدعوم على عموم الغاز الطبيعي. فلو كان سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الجديد أربعة دولارات، وتمت إضافة 10 في المائة من الغاز الطبيعي من مصادر جديدة إلى المصادر القديمة، فإن السعر الموحد للغاز القديم والجديد سيكون نحو 1.05 دولار، وبهذا يمكن دفع تكاليف الغاز الجديد والحفاظ على حجم الدعم القائم حاليا. ولو زادت كميات الغاز الطبيعي الجديد أو أسعاره فإن سعر الغاز الطبيعي سيرتفع بصورة آلية إلى مستويات أعلى، ولكن حجم الكميات المدعومة سيظل ثابتاً.
إنشرها