Author

العلاقة العكسية بين سوقي المال والعقار

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
قياسا إلى ضيق القنوات الاستثمارية محليا، التي لا تعكس على الإطلاق حجم الفرص الاقتصادية الهائلة المفرط فيها في الاقتصاد الوطني، تتصارع السيولة المحلية في القنوات المتاحة لديها داخل حدود اقتصادنا، بصورة أكبر من غيرها في سوقي المال والعقار، الذي عرّض كلا من السوقين للعديد من التقلبات العنيفة، التي ألحقت آثارها السلبية الكبيرة مقدرات الاقتصاد والمجتمع للكثير من الأضرار، لعل من أبرز ذكرياتها التي لا تزال عالقة في الذاكرة، كارثة انهيار السوق المالية في شباط (فبراير) 2006، التي نسفت مئات المليارات من الريالات من مدخرات المؤسسات والأفراد على حدٍّ سواء، بعد أن تضخمت قيم الأصول المحدودة المدرجة في السوق المالية لأكثر من 3.1 تريليون ريال. خرجت السيولة الهائلة من السوق المالية، وأضيفت إليها في السنوات التالية سيولة تتجاوز أضعاف تلك التي خرجت من السوق المالية بفضل استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية، تدفق أغلبها إلى السوق العقارية. لتتعرض الأخيرة بدورها إلى موجات من الارتفاع المستمر، تحولت كما نشهد اليوم إلى أحد أكبر التحديات التنموية، التي تهدد قدرة المواطنين في الحصول على مساكن، قياسا إلى الأسعار القياسية التي وصلت إليها الأراضي الصالحة للتطوير. فيما فضل الجزء الآخر من السيولة المحلية الخروج إلى خارج حدود الاقتصاد، تقدر وفقا لحركة رؤوس الأموال في ميزان المدفوعات حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، التي تبين حجم الأموال السعودية التي خرجت خلال الفترة 2006 - الربع الأول 2014 بنحو 565 مليار ريال، ولك أن تتخيل حجم أضرارها على السوق العقارية المحلية لو أن تلك الثروات الطائلة لحقت بالسيولة التي تدفقت إلى السوق العقارية، كيف ستكون النتائج؟! زاد الطين بلة في نهاية 2008 ومطلع 2009، حينما لحقت السياسة النقدية للريال مرغمة بالسياسة النقدية للدولار الأمريكي، انخفضت خلالها معدلات الفائدة على الريال، في الوقت الذي كان الاقتصاد المحلي يشهد نموا قويا في مستويات السيولة، لم يتنازل بعد انفجار الأزمة المالية العالمية إلى الوقت الراهن، عن متوسط نمو سنوي تراوح بين 11 و13 في المائة، في المقابل انحدرت معدلات الفائدة لما دون الـ 1 في المائة. ورغم ضيق خيارات السياسة النقدية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وأمام هذه السيولة النقدية الهائلة، التي ارتفعت بأكثر من 77.3 في المائة بين مايو 2014 مقارنة بمستواها في نهاية 2008؛ أي بأكثر من 718.4 مليار ريال، أقول رغم كل ذلك، لم تشهد أي من المعطيات الداخلية للاقتصاد الوطني أي محفزات لتوسيع قنوات الاستثمار المحلية، ولا حتى تطويرها أو تحسينها. ففي السوق المالية؛ أولا: تراجع خلال الفترة 2009 - 2014 حجم إدراج الشركات المساهمة، مكتفية السوق بإدراج الشركات الصغيرة والمتوسطة، في وقت كانت خلاله ثقة المستثمرين في أدنى مستوياتها. ثانيا: يبدو الوضع أكثر سوءا في السوق العقارية، التي يكاد التطوير وتحسين بيئتها التنظيمية شبه متوقف حتى مطلع 2011 بتأسيس وزارة الإسكان، لم يطرأ الكثير من التغييرات على السوق حتى بعد تأسيس الوزارة، ما يمكن القول معه إن السوق انتقلت من حالة الركود التنظيمي إلى حالة التطوير البطيء الخطوات، وهو أقل بكثير مما تحتاج إليه السوق العقارية. ثالثا: لم يحدث أي تطوير ملموس على مستوى سوق أدوات الدين (الصكوك، السندات) التي كان بإمكانها امتصاص جزء مهم من تلك السيولة الهائلة في الاقتصاد، إلا أنها اصطدمت بالعوائق التنظيمية، التي يتحمل المسؤولية الكبرى في تعثرها كل من وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي. رابعا: استمرار حالة تهميش بيئة تطوير الأعمال بالنسبة للمنشآت المتوسطة والصغيرة، بل تحول في العامين الأخيرين إلى نوعٍ من التضييق على تلك المنشآت، التي فضل عدد كبير منها مغادرة بيئة الأعمال المحلية، وتوقف نشاطها! نعم منها ما كان وكرا للتستر على العمالة الوافدة، إلا أن جزءا آخر منها كان له دور ومساهمة مهمان في الاقتصاد الوطني، دفعت ثمن مساواتها في سياسات التوظيف مع كبرى المنشآت بإعلان توقفها النهائي عن ممارسة أنشطتها. إذن، والحال كما هو لم تطرأ عليه التغييرات الملموسة، التي يمكن القول معها إن حالة المنافسة على السيولة المحلية بين سوقي المال والعقار لا تزال في أوج قوتها، ووفقا للتطورات الأخيرة فيما يخص السوق المالية بقرب فتح أبوابها بصورة أكبر أمام الاستثمار الأجنبي، أن زيادة اجتذاب السيولة ستميل بصورة أكبر لصالحها على حساب السوق العقارية، التي وصلت هي بدورها إلى قمّة الفقاعة السعرية. على أنه من الضروري الانتباه إلى اعتبارين مهمين في هذا السياق. الاعتبار الأول: أن صعود السوق المالية بدأ في وقت سابق، وإن لم يلاحظه مجتمع المستثمرين، على عكس كبار المستثمرين، كان قد بدأ في مطلع عام 2013 الذي استمر يتصاعد منذ ذلك التاريخ حتى ما قبل صدور القرار الأخير بفتح السوق أمام المستثمرين الأجانب، حيث بلغت نسبة ارتفاع قيمة المؤشر أكثر من 43.3 في المائة، وبمجرد صدور القرار ارتفعت قيمة المؤشر خلال ثلاثة أيام عمل فقط بنحو 4.8 في المائة، ويتوقع استمرار قوة الارتفاع خلال الفترة القادمة، مدفوعة بالعديد من العوامل الأساسية، لعل من أبرزها "وهو العامل الأهم وراء الصعود" هو استمرار تحسن ربحية الشركات المدرجة، وهو أيضا العامل الأهم الذي سيحدد خيارات قرارات المستثمرين سواءً كانوا محليين أو أجانب. الاعتبار الثاني: أن السوق العقارية وصلت إلى أقصى حدود ارتفاعات الأسعار "الفقاعة السعرية"، وهي تواجه ركودا بدأ منذ أكثر من عام ونصف العام، وما شهدته السوق طوال تلك الفترة من تداولات كان أغلبه عبارة عن تدوير للأموال من قبل المجموعات العقارية وكبار العقاريين، كل ذلك بهدف رسم صورة مختلفة عن حالة الركود التي تمر بها السوق. عدا أن قدرة الأفراد على الشراء بتلك المستويات السعرية حتى مع إضافة القروض البنكية، تعتبر شبه مشلولة لارتفاع الأسعار حتى بالمقارنة بدخول ذوي الأجور العالية، كان لتوجهات وزارة الإسكان التي أعلنتها أكثر من مرة، التي قابلها شبه إحجام من قبل الأفراد عن الشراء، كل تلك العوامل لعبت دورا ملموسا في صنع حالة الركود التي تشهدها السوق طوال الفترة السابقة. قريبا ستصدر العديد من القرارات المهمة جداً كفرض الزكاة على عروض التجارة لدى ملاك الأراضي والعقارات، وفرض الرسوم "الغرامات" على احتكار الأراضي المطورة، كل هذه الاعتبارات أصبحت موضع يقين بالنسبة للأغلبية، ومع زيادة جذب السوق المالية للسيولة لدى المستثمرين، كل الاعتبارات ستساهم - بإذن الله تعالى - في العمل على زيادة تراجع أسعار العقار. وللحديث بقية في المقال القادم- بإذن الله تعالى. والله ولي التوفيق.
إنشرها