Author

الاستثمار الأجنبي والتقارير المالية

|
ارتبط تاريخ التقارير المالية وكل من مهنتي المراجعة والمحاسبة بتحديات كبيرة من أهمها تطورات الاستثمارات والتجارة الدولية. تحسنت آليات التقرير المالي مع انتعاش الأسواق المالية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأثرت لاحقاً بأفكار العولمة وتبادل الاستثمارات بين حدود الدول، حتى نشطت أخيرا تطبيقات المعايير الدولية للمحاسبة بشكلها الحالي، وبالخصوص قابلية القوائم المالية للمقارنة وقبولها العالمي وأسس إعدادها الواضحة والموحدة. دخول المستثمر الأجنبي المباشر لأي سوق يعني وجود ما يكفي من عوامل الجذب التي ترتبط بالعائد والأمان والثقة. وبإضفاء عوامل الجذب هذه إلى العناصر الأخرى التي تضمن الحد من سلبيات الاستثمار الأجنبي تتحقق جاهزية السوق، التي يفترض أن تضبطها هيئة سوق المال بعد أن تخرج بالقواعد والتعليمات المنظمة لها. من أهم عوامل جذب المستثمر الأجنبي المصداقية وما يلحقها من عناصر مثل الشفافية وتكلفة المعلومة ومستوى الإفصاح. لذا، قام العديد من الدول خلال العقد الأخير بإعلان تحولها لمعايير المحاسبة الدولية كخطوة تنافسية تكفل لها جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية وتذلل إحدى أكبر عقبات الاستثمار الأجنبي المباشر. كانت هذه الدول ـــــ معظمها دول نامية ــــ تبحث أساساً عن السيولة وبث الحيوية في مشاريعها التنموية، وهذا على خلاف الأهداف الاستراتيجية المحلية التي تتعلق مثلاً بتعزيز متانة السوق وتأكيد حضورها الدولي وربما صنع قنوات جديدة يعاد عن طريقها تحريك السيولة الموجودة بطرق أكثر فاعلية. تحديداً، يحقق دخول المستثمر الأجنبي أهدافا استراتيجية عديدة، يرتبط جزء منها بكفاءة السوق وجودة المعلومة المتاحة. إذا نظرنا للوضع المحلي نجد أن السوق أصبحت مقبلة على خطوتين مهمتين: الأولى ترتبط بالتحول إلى معايير المحاسبة الدولية ــــ وهو مشروع مهم تعمل عليه الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين ويفترض أن ينتهي خلال عامين من الآن ــــ والثانية فتح السوق للاستثمار الأجنبي المباشر، وهي خطوة ننتظر الإعلان عن تفاصيلها خلال العام القادم. يأتي دور التحول إلى المعايير الدولية ـــــ التي ترفع من جودة الإفصاح ـــــ كمحفز لجذب الاستثمارات الدولية، وهذا قد يحصل لدينا حسب الخطط الزمنية المعلنة؛ إلا أن العكس أيضا بات ممكناً بأن تعمل الاستثمارات الأجنبية كمحفز لرفع جودة الإفصاح. التطور النوعي في خليط المستثمرين يعني التحسن المباشر في متوسط درجة الوعي المالي لدى قارئ القوائم المالية. وباعتبار الوضع الاقتصادي الراهن والضخامة النسبية للسوق المحلية، تأتي المساهمة النوعية في تفاعلات السوق وجودة عناصرها وجاهزية البنية التحتية كأهم الإيجابيات المنتظرة. يمكننا أن نتصور إيجابيات الاستثمار الأجنبي المتعلقة بالتقارير المالية بعد النظر في الأطراف الرئيسة المشاركة في السوق. من هذه الأطراف نجد المستثمر الأجنبي كدخيل جديد ومؤثر، ولأن القرار الأخير حدد أن هذا المستثمر هو مستثمر مؤسسي فإنه من الواضح أننا نتحدث هنا عن جهات لها سياسات منضبطة في التعامل مع المخاطر ولديها وعي مالي واستثماري معتبر. مع الوقت ستؤثر أنشطة هذه الجهات على طبيعة التداولات داخل السوق وستكشف المعلومات المتاحة حينها عن سلوكيات جديدة ومؤثرة. ولأن المستثمر الأجنبي أذكى مالياً فهذا يعني أنه سيتطلع إلى واقع أكثر شفافية ودقة، مما يعني المزيد من الضغوطات على إدارات الشركات ومحاسبيها ومراجعي الحسابات. بالطبع لا تحصل هذه الأمور بطريقة مباشرة وسريعة إلا أن توقيت التحول إلى المعايير الدولية مع دخول هذا النوع من المستثمرين سينشط الضغط المفقود على صناع المعلومة بسبب مشكلة تدني الوعي المالي والاستثماري لدى جمهور الأفراد. يضاف إلى ذلك دور منظم السوق وبقية الجهات المسؤولة وأهمية مواءمة جهودهم مع التغيير القادم، وهذا يتطلب المزيد من التعاون المصحوب بالشفافية بين جهات مثل هيئة سوق المال ومؤسسة النقد والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، سواء في استصدار المعايير والتنظيمات أو في متابعة السوق ومشاركة العموم في الآراء والمستجدات. الفوائد غير المباشرة للاهتمام الأجنبي في السوق المحلية ــــ كالمؤشرات والتقارير الدولية ـــــ تعني المزيد من الفرص المرتبطة بارتفاع الوعي المالي وتحسين بيئة الاستثمارات عموما. أي ضغط يحصل على عرض وطلب المعلومة المالية يتحول إلى قرارات أكثر فاعلية وإدارة وإنتاجية أفضل، وهذا يعني ازدهارا للمهن التي تعنى بصناعة المعلومة مثل المحاسبة وتطورا في أداء الأعمال عموماً؛ إضافة إلى تحقيق الآثار الإيجابية لمعايير المحاسبة الدولية ــــ كجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ــــ كما يثبت العديد من الدراسات ذلك.
إنشرها