Author

نظرية الأشخاص فوق القانون

|
مكافحة الفساد، كلمتان أصبحتا من أكثر الكلمات تداولا في عالمنا الحالي. فلا تكاد تخلو المجالس والصحف والمجلات من المواضيع التي تتحدث عنهما. ما نتحدث عنه اليوم هو نوع آخر من أنواع الفساد المستشري في العالم كله، نوع من الفساد أدى إلى إفشال خطط التنمية، وهو أحد أهم أسباب الانهيار المالي الأخير، والذي ما زال العالم كله يعاني من تبعاته بدرجات مختلفة، ما نتحدث عنه اليوم هو ظاهرة الأشخاص فوق القانون. في إبان وصول عائلة كينيدي الشهيرة إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، قام أحد أقارب الرئيس بجريمة شنيعة يعاقب عليها القانون أيما عقاب. أكد حينها أحد الشرطيين المتقاعدين في مدينة بورتلاند، أنه لن يتهم بأي من هذه التهم، فضلا عن تنفيذ أي عقوبة. ورغم أن ثلاثة بلاغات مختلفة تم تقديمها ضده، إلا أنه في كل مرة كان يبرأ بحجج مختلفة إحداها تتعلق بكفاءة الشهود. ورغم انشغال الرأي العام حينها بالقضية التي أخذت حيزا لا بأس به من الاهتمام وتقديم أدلة كثيرة، إلا أن شيئا لم يحدث. وفي السياق نفسه، أثيرت قضية كبيرة عن التداول، بناء على معلومات داخلية ضد أحد التنفيذيين في البنك الاستثماري العملاق جولدمان ساكس، وبغرابة شديدة قام البنك بتقديم أحد الموظفين للتحقيق مع الجهات المختصة دون تقديم الشخص المتهم الفعلي، والذي رفض البنك حتى الإفصاح عن اسمه للرأي العام، مما أدى إلى حملات عدة على البنك العملاق واتهامه بتعطيل مسار العدالة وتحقيق مكاسب بطرق غير مشروعة. كما أدى هذا إلى طرح العديد من التساؤلات عن دور أجهزة الرقابة في مثل هذه القضايا. مثل هذه القضايا ليست الأولى من نوعها فقد شهدت السوق المالية الكثير من القضايا المماثلة، تمكن أصحابها من جني ثروات كبيرة في وقت قياسي، وما خفي كان أعظم. هذه القضايا وغيرها دفعت بعدد من المحللين الماليين البارزين للتحدث عن صدمة كبيرة، حيث إنها تمثل تراجعا حقيقيا لكفاءة السوق. فمن نقص كبير في السيولة الاستثمارية، على الرغم من الارتفاعات الكبيرة للسوق الأمريكية خلال الفترة الماضية إلى دخول مصطلح جديد على قاموس السوق التي لا تنام اسمه الخوف. أما في الهند، تلك البلاد التي يشار إليها بأنها من أكبر الديمقراطيات على مستوى العالم. فقد عانت أخيرا من اضطرابات شديدة، حدت برئيس الوزراء لأن يصرح بأن الفساد الحالي في الهند يعتبر من أكبر معوقات نهضتها. وعلق حفيد غاندي، الأب الروحي لكل الهنود على الوضع الحالي قائلا "المال أصبح هو الحاكم المطلق". وما يؤكد ذلك أن المكانة الاقتصادية الكبيرة للبلاد، حيث استطاعت بفعل النمو الكبير أن تصبح ضمن دول البريكس، أصبحت مهددة بشدة، حيث تشير التوقعات المستقبلية إلى تراجع النمو خلال الفترة المقبلة. ومن ناحية أخرى، فإن حجم التداول الاقتصادي بين الهند والمملكة المتحدة في تراجع واضح، وكذلك الحال مع العديد من الدول الأوروبية الأخرى التي عبرت عن قلقها إزاء الفساد وتبعاته على التبادل التجاري بين البلدين. هذه الأمثلة وغيرها الكثير، رغم اختلافها وتأثيرها على مجالات شتى، إلا أن العامل المشترك بينها هو أولئك الذين قدموا المصلحة الشخصية على أي اعتبار آخر، أولئك الذين نادوا وأعلنوا الالتزام بالقوانين وكانوا هم أنفسهم أول من خرقها، هذا النوع من الفساد أعاد ويعيد الكثير من البلدان إلى الخلف سنوات وسنوات. فكم من سنوات مضت على بناء هيكل قوي للسوق المالية تم هدمه من هؤلاء، وسنوات أخرى من مكاسب تشريعية كبيرة تم إلغاؤها من هؤلاء. وبين هؤلاء وهؤلاء، نتساءل أين أجهزة الرقابة التي تم بناؤها وتطويرها بشكل كبير على مدار السنوات الماضية لكي تقف في وجه مثل هؤلاء، أو بالأحرى أين هم المطبقون لهذه القوانين. وأسئلة عديدة تبحث عن إجابات. ونحن اليوم نعيش انتعاشا اقتصاديا كبيرا، من المتوقع أن يستمر على مدار سنوات مقبلة. فليس من عقبة أكبر في طريقنا من هؤلاء. ختاما، أي تشابه بين أي مما ذكر أعلاه وواقعنا الحالي، هو على سبيل الصدفة البحتة ليس إلا.
إنشرها