Author

اكتشاف الذات الخطوة الأساسية

|
هل نحن نجهل أنفسنا حتى نحتاج لاكتشافها؟ سؤال قد يبدو غريباً لكنه منطقي وضروري؛ إذ إننا في كثير من الأحيان قد توجد داخل ذواتنا أمور كثيرة لا نعلم بها وربما نكتشفها بالمصادفة، كما يحدث عندما يزور أحدنا الطبيب، وبعد الفحص عليه يكتشف أن لديه مرضاً ما، كالسكري، أو ضغط الدم، أو غيرها، كما أن الكثير من الصفات والخصائص سواء كانت إيجابية أو سلبية توجد لدينا لكن لا ندرك وجودها، ولا نعلم بذلك إلا عند تنبيه الآخرين لنا بذلك، أو عندما نمر بموقف يظهر إحدى هذه الصفات، مما يترتب عليه نتائج، وآثار نستدل عن طريقها بوجود الصفة، أو الخاصية. حقاً أننا نجهل أنفسنا، وربما لا نعلم إلا القليل، ولذا البشر مدعوون للتبصر، والتأمل في ذواتهم، كما في القرآن الكريم "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" جهلنا بأنفسنا يمتد لقدراتنا، ومشاعرنا، القوي منها، والضعيف، ولذا عدم اكتشافنا، ومعرفتنا بها قد يفقدنا الكثير مما نستحقه، ويتناسب مع ما لدينا من قدرات كأن نحرم من الالتحاق في وظيفة من الوظائف لاعتقادنا الخاطئ أننا لسنا مؤهلين لها في حين أن متطلباتها البدنية، أو العقلية، أو النفسية متوافرة لدينا، لكن جهلنا وعدم علمنا بها يفوت علينا الفرص الثمينة. وهذا الأمر ينطبق على الطالب الذي يتجنب الالتحاق في تخصص جامعي لاعتقاده أن متطلبات هذا التخصص غير متوافرة لديه، وقد يلتحق في تخصص آخر، ويكتشف عدم مناسبته له. هذا الوضع مرده جهل، وسوء تقدير لما لدينا من قدرات، وإمكانات، ولذا نجد أنفسنا نتخبط في اختياراتنا المهنية، أو التخصصات الأكاديمية، ونظراً لما يحدثه الجهل بالذات من خسائر على المستوى الفردي، والاجتماعي، لذا برزت على الساحة عمليات الإرشاد المهني، والأكاديمي التي بآلياتها وأدواتها المتعددة تسهم إسهاماً واضحاً في حسن الاختيار للأعمال، وكذلك التخصصات الدراسية. القدرات والخصائص الكامنة لدى الأفراد هي بمثابة الجواهر التي داخل الأصداف في أعماق البحر، وهذه الجواهر لا بد من جهود المتخصصين في علم النفس كي يتم الوصول لهذه الجواهر، وتحديدها، وإخراجها من مكامنها بدلاً من تركها مجهولة، وقد بذلت جهود ضخمة في الكثير من الدول خاصة العالم الغربي، وفي أمريكا بالذات، حيث أوجدت مراكز قياس تقوم بتطوير، وبناء اختبارات، ومقاييس القدرات العقلية، والميول، والاتجاهات، إضافة إلى تطبيقها وتزويد الأفراد، والمؤسسات كالجامعات، والمعاهد العليا بالنتائج، وهذا من شأنه أن يساعد في وضع الأفراد في المواقع الوظيفية المناسبة لرغباتهم وقدراتهم مما يمكنهم من أداء أدوارهم بالشكل المناسب، ويمكنهم من الإبداع . كم من الأفراد وجدوا أنفسهم في مواقع عمل بالمصادفة وليس بأسلوب علمي، ولذا يكون أداؤهم، وإنتاجيتهم ضعيفة، أما من التحقوا بتخصصات غير مناسبة لهم، ومن ثم لم يتمكنوا من إكمال المشوار وتسربوا، أو أنهم واصلوا بتعثر، وتخرجوا بمستوى متواضع لم يمكنهم من الحصول على فرصة عمل في سوق العمل، أو التحقوا بمهن لا يجدون فيها ذواتهم. التأخر في اكتشاف الذات بمكوناتها من قدرات وميول، ورغبات يؤدي بها إلى الضعف، إن لم يكن الاندثار، ولذا لا بد من المبادرة لاكتشاف ما لدى الأطفال من استعدادات حتى تتم عملية توجيههم، وإرشادهم للمجالات التي تناسبهم، إضافة إلى وضع البرامج المناسبة لما لديهم من قدرات، وخصائص. البعض منا يمكن أن يكتشف ذاته بنفسه من خلال التأمل الذاتي وملاحظة السلوك ونتائجه الإيجابية والسلبية، في حين أن البعض يصعب عليه اكتشاف ذاته، ولذا هو في حاجة إلى جهود الآخرين، وملاحظاتهم، سواء كانت الملاحظات عابرة، أو منظمة ومهنية، إذ إن الآخرين مرآة لنا نتمكن من خلالهم معرفة ما نجهله فينا.
إنشرها