ثقافة وفنون

مسلسل «السبع وصايا» المصري .. رؤية «حداثية» لتدين الطبقات المسحوقة

مسلسل «السبع وصايا» المصري .. رؤية «حداثية» لتدين الطبقات المسحوقة

مسلسل «السبع وصايا» المصري .. رؤية «حداثية» لتدين الطبقات المسحوقة

مسلسل «السبع وصايا» المصري .. رؤية «حداثية» لتدين الطبقات المسحوقة

مسلسل «السبع وصايا» المصري .. رؤية «حداثية» لتدين الطبقات المسحوقة

اقتطع مسلسل "السبع وصايا" حصة كبيرة من أضواء الأعمال الدرامية الجادة هذا الموسم. ليس بإثارته العالية على مستوى أحداث المسلسل و حجم غموضها ومفاجأتها فقط، بل وعلى مستوى المعالجة الثقافية درامياً لتدين الطبقة المسحوقة المصرية، بعيداً عن الشكل "الرسالي" المباشر الذي سيطر على الدراما المصرية، خصوصاً مع ممثلين من رموز "اليسار" الثقافي التقليدي. التجربة الفنية "الليبرالية" المصرية أعادت صياغة كتابة وقراءة الظواهر الاجتماعية بشكل أكثر حداثة وأكثر رشاقة فكرية وإبداعية. ربما كان هذا ما جعلها آخر معاقل "الليبرالية" الثقافية إبان موجة "الإسلام السياسي" التي عبرت مصر منذ بداية الربيع العربي، و حتى انكسار الإخوان الأخير في 30 يونيو. كيف تروي الأسطورة.. بالموسيقى؟ يبدأ المسلسل أولى لمساته الحداثية، بمزيج خلاب من صناعة الموسيقي هشام نزيه، خلطت بين الإنشاد الشعري الصوفي وموسيقى "الروك" مع حضور كبير للجيتار الكهربائي. هذا المزيج المُعبر والمتوثب، ربط بين الجانب الروحي "للإنسان" المتمثل في الإنشاد الصوفي، و بين الجانب المادي اللذائذي الذي تعبر عنه موسيقى الروك، والتي خرجت إلى المشهد في ستينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكان صيتها ذائعا بين الأوساط الشعبية في حينه. #2# أبيات القصيدة الخاصة بـ "تتر" المقدمة من كلمات محي الدين بن عربي، أحد أشهر شيوخ الطرائق الصوفية في القرن السادس الهجري. وهي قصيدة مختارة بعناية لمضمونها الذي يحكي قصة الإنسان الحائر والمتردد ولكنه مؤمن. يقول الكاتب المصري عبد الله غنيم "تلك الحدوتة تستوجب رواية موسيقية ملائمة، اختار لها هشام نزيه في مقدمة مسلسل "السبع وصايا"، خلفية من ذكر الذاكرين صوتا للملكوت، وراويا من إنشاد المغنين، وضربات على جيتار كهربي، والكهرباء "الإليكتريك" صالحة لتكون صوتا للناسوت (الطبيعة البشرية)، صوتا للمادة وللذّة، وحدوتة ابن عربي بصوت الإنسان، محيّرة بين هذا وذاك، في ذلك يسعى نزيه للتناغم مع فلسفة ابن عربي". و يشرح غنيم معاني كلمات "تتر" المقدمة بقوله "حكاية الإنسان الذي تعجّل فاختار اللفظ من الفردوس، وهبط للدنيا، الجحيم والنعيم الذي يحكم مسيرته فيها.. الدنيا نفسها التي هي أدنى من عطسة توشك الروح أن تخرج فيها، والوحي الذي يراه ابن عربي منقذًا لنفسه، للإنسان، للجموع من جهنم.. الحدوتة معقدة وبسيطة في آن، يشفق ابن عربي على الإنسان من القسوة على نفسه، الإنسان مطيع وعاص وكل مُيسَّر لما خلق له، العلاقة معقدة، الطاعة قُرب والمعصية اختيار، يشفق الشيخ الفيلسوف على الإنسان في حيرته بين العقل جالب المعرفة، فالمعرفة تجلب والقلب محل الإيمان، الإيمان أن تُخلِّي معرفتك وتتبع قلبك، تلك قصة الإنسان المحيّر بين عقله وقلبه، معرفته وإيمانه، الخلاف بينهما والاتفاق". هذا البُعد الموسيقى الغارق في استنهاض "غريزة البقاء"، التي بدورها قد تفاجئك بما لا تعرفه عن نفسك وقت الحاجة، جاوره بالتوازي الضمير الإنساني في صورته الدينية الأقرب للطبقة الشعبية المسحوقة المصرية. #3# عبرت موسيقى نزيه في "الوصايا السبع" ليس في المقدمة فقط، بل وحتى داخل المسلسل في لحظاته الأكثر درامية وتوجس، عن كل تلك الأشياء التي لا يستطيع الممثلون قولها، ولا يستطيع المشاهد تجاوزها. كانت تقع هناك في فراغ الأسئلة هذا.. في المنتصف تماماً. الألم «الوجودي» في صيغته الشعبية يتماس المسلسل الذي ألفه الكاتب والسيناريست محمد أمين راضي، مع شتى أشكال قلق "الوجودية المؤمنة" لدى الطبقة المسحوقة في البيئة الشعبية، والتي تتألق الدراما المصرية في استظهار "كاركترات" تمثيلية لها بتنوع لافت. تنتج هذه البيئات أساطيرها الخاصة حول كل ربح طارئ يمنحهم أكثر من كفاف يومهم. تملك خصوصيتها في إيمانها الشديد بالجانب المادي المحسوس بكل ما هو متعلق بغريزة البقاء، و لكنها أضعف عادة من تغيير هذا الواقع، فتلجأ إلى روحانيات خارقة للعادة مثل الأولياء والصالحين، ليخلصوهم بحلول مدعومة بقوى من خارج المنطق، والذين غالباً ما يكونون من الدجالين الذين يقتاتون على هذا الألم الوجودي "المؤمن". تدور فكرة المسلسل حول سبعة أشقاء لأب في غيبوبة منذ ستة أعوام، تقرر الأخت الكبرى التي تعمل كخادمة في المنازل وتعيش في بيت شعبي متهالك، إنهاء حياة والدها، بعد أن تكتشف مصادفة أن لديه ثروة تجاوز 28 مليون جنيه مصري. و تجمع إخوتها لإخبارهم وإقناعهم بالفكرة. تبدأ الإثارة منذ الحلقة الأولى التي يوافق فيها كل الأبناء على الفكرة، ولكن بعد تنفيذ المهمة تختفي الجثة في ظروف غامضة، ويهرب الأبناء كل في اتجاه خوفاً من تحمل المسؤولية باستثناء الأخت الكبرى التي تم القبض عليها، لتدور كل أحداث المسلسل حول سر اختفائها وكيفية ظهورها ليتم تقسيم الإرث. تبدأ الأحداث تتعقد بعد إقناع رفيقة الأخت الكبرى "بوسي" في السجن بأن الأولياء والصالحين هم من تختفي جثثهم وتصنع لهم الأضرحة، ليُنجدوا الضعفاء والمسحوقين بشفاعتهم، وربما كان أباها أحدهم. تبدأ بوسي تصديق الفكرة بعد "كرامات" مزيفة تساندها في تحقيقها رفيقتها في السجن "سميحة كامل"، والتي هي بدورها حولها حالة ضبابية، فهي أكثرهم ثقافة ونجمة سينمائية سابقة، لا أحد يعرف لماذا سجنت كل هذه الفنرة الطويلة ولا أحد يعلم لماذا تقوم بكل هذا الإيهام لـ "بوسي" وإخوتها بأن أباهم من الصالحين وأنها شيخة "مبروكة". #4# الثيمة الرئيسة للأبطال السبعة، هو تدينهم "المتصوف" في الدعاء قرب أضرحة الأولياء و الصالحين المعروفين في البيئة المصرية بعد كل إثم يرتكبونه، بل وتقمص هذا الدور لدى بعض الأبناء، ويبدأ والدهم يزورهم في المنام لإعطائهم وصايا، و يشترط أن يقوموا بها لتظهر جثته من جديد. يسرد المسلسل من خلال قصة أبطاله حكاية الإنسان الذي كان وما زال يقدم هواة شجعان، يتمتعون بقدرات عالية على الصمود في مسيرة طويلة من الأمل والخوف، الشقاء المستدام والسعادة الدخيلة، الانتصار والانكسار. فتنتج هذه الأوساط المسحوقة ألمها الوجودي المؤمن الذي يشعر بغربة الإنسان لكنه يحن إلى مثواه الأخير ووجوده الأعلى. الإخراج..و اللمسات المسرحية اعتمد المخرج ذائع الصيت خالد مرعي، على تقنيات حديثة في المعدات التصويرية السينمائية، مع لمسات أخاذة إضائية مع اختيار ألوان قاتمة تناسب نمط موسيقى "الروك" التي تشكل إحدى بطاقات تعريف العمل. تنقّل المخرج بين لونين رئيسين في إظهار الحالة الروحانية لبعض المواقف واختار لها الأخضر، فيما كان لون شمس المغيب البرتقالية خلفية لحوارت ذات طبيعة بشرية (شريرة). التنقل الرشيق بين أبطال القصة السبعة كان ملمحاً بارزاً, ليس من خلال سلاسة القصة فقط, بل و من خلال اخراج مرعي لسبعة قصص مختلفة في قصة واحدة. فضلاً عن اختيار الخلفيات الموسيقية للمشاهد المختلفة. على تقليدية الأجواء المسرحية التي استدعاها مرعي في الأدوار التي يظهر فيها "الأب" ليتحدث لأبنائه في الحلم وهو يجلس على عرش من الطراز القديم. إلا أن اللافت كان الأداء العالي من ممثل الدور "أحمد فؤاد سليم" أحد أشهر الأبطال المساعدين في المشهد الدرامي المصري الحديث. اختار له المخرج ملابس سوداء و خلفية قاتمة على عكس المتوقع من هذه الشخصيات التي عادة ما تأتي من العالم الآخر في الأحلام مرتدية الأبيض. لعل أكثر ما يميز هذا العمل أن بطولته تكاملية لكل فريق العمل، حتى أن الممثلين ليس فيهم أي نجم شباك حقيقي، فيما بعض الأدوار كان فيها مشاركة لممثلين يحظون بظهورهم الأول عبر المسلسل. الأكيد أن مسلسل "السبع وصايا" الذي يعرض على قناة cbc المصرية كان أحد أكثر الأعمال الدرامية التي أثارت جدلاً فنياً حتى لدى النقاد والمهتمين. يقول الكاتب أحمد زكي عن الحلقة الأولى من المسلسل "الحلقة الأولى من المسلسل تستحق أن تأخذ أوسكار أفضل فيلم درامي قصير. الحلقة الأولى استوفت جميع عناصر التفوق الدرامي . الحوار السريع الرشيق بين الشخصيات الرئيسة للمسلسل، وهم أبناء سيد نفيسة(الأب) السبعة، موسيقى هشام نزيه التي تتأرجح بين الرعب وبين التشويق والإثارة الممتزجة بأناشيد صوفية، الإخراج الذكي لخالد مرعي والأجواء القاتمة التي صنعها لشقة سيد نفيسة". الأخبار التي تنشرها الصحف المصرية، ذكرت أن مخرج العمل أجل تصوير المشاهد الأخيرة التي يكشف فيها سر اختفاء الجثة التي سيحل ظهورها كل ألغاز المسلسل، حتى لا تسرب الصحافة النهاية للمشاهدين. التي يبدو أنها ستخيب أمل المشاهدين كثيراً لو لم ترتفع لمستوى حبكة و تألق العمل حتى الآن. لكن الأكيد أن هذا المزج السريالي كموسيقى ونص وإخراج نقلة جديدة غير مسبوقة على مستوى الأعمال التلفزيونية العربية الطويلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون