FINANCIAL TIMES

اكتبوا عن مواد البقالة ودعكم من الوظائف

اكتبوا عن مواد البقالة ودعكم من الوظائف

في الأسبوع الماضي "ذهبتُ إلى الإنترنت" لشراء احتياجاتي الأسبوعية من مواد البقالة وكنت أحاول طلب ورق تو اليت عندما ضغطت بطريق الخطأ على مربع "تعليقات" بدلاً من "أضف إلى سلتك". وعليه فقد تعثرت بكلمة كنت أعرف بالكاد وجودها. في السنتين الماضيتين كان مئات الناس يخبرون موقع أوكادو، دون ذكر أسمائهم، عن رأيهم في ورق الحمام الذي تصنعه الشركة. بعض هذه التعليقات كانت أساسية: "هذه اللفة رقيقة جداً وخفيفة وغير ملموسة" أو "هذه نوعية جيدة في مقابل السعر". وبعضهم كان أكثر تطوراً، حيث يقول: "يمكن استخدام التغليف كيسا لتغليف سلة قمامة الحمام من الداخل"، أو يكتب ببساطة وبغرابة: "النوعية جيدة، لكنها تكون أحياناً قديمة". تتضمن قراءة عبارات التعليق والمراجعات استثماراً كبيراً في الوقت والجهد، الأمر الذي يعني أن عليّ الآن إضافة ورق التواليت المغبر إلى قائمة مخاوفي، مع أنه يخدم بالفعل غرضاً اقتصادياً ثانوياً. تصنع شركة أوكادو أكثر من 60 نوعاً من ورق الحمام، لكن من المفيد أن نعرف، حين تواجَه بهذا القدر المضحك من الخيارات، أن الزبائن في المتوسط لا يقدرون النوعية الفاخرة "تريبيل فيلفيت"، لكنهم يفضلون المنتج كبير الحجم من نوعية كاشيل. ومع ذلك يغلب على ظني أن النقطة الرئيسة في التعليق على مواد البقالة هي السعادة الغريبة التي تبدو على الناس وهم يقومون بذلك. كما يبدو وكأن الزمن الذي وفرناه بعدم دفع عربات التسوق صعوداً ونزولاً في ممرات السوبرماركت، أصبحنا ننفقه في إسماع رأينا في كل مرة نشتري فيها شيئا. لا يوجد شيء أساسي جداً إلى درجة تجعلك تكتب شيئاً حوله، ولا حتى شراء الطوابع البريدية. يكتب أحد زبائن شركة أوكادو: "إن هذه الشركة تضع الطوابع في مغلف صغير أنيق بحيث لا تُفقد في متاهة مشترياتك"، بينما يحاول شخص آخر أن يكون أكثر مزاحاً عندما يكتب: "استخدمت هذا المنتج من قبل، لكني شعرتُ بخيبة أمل عندما فشلتُ في إلصاق الطابع على مظروف بالبريد الإلكتروني". وفي حين يشعر كثير من الناس أنهم ملزمون بالتعليق على المواد اليومية التي يشترونها، إلا أنهم يصبحون أكثر تكتماً وتحوطاً عندما يتعلق الأمر بشيء أكثر فائدة من ذلك، مثل تقييم وظائفهم. في الحقيقة كان عدد الذين كتبوا حول ورق تواليت ويتروز إيسينشيال على موقع أوكادو ضعف عدد الذين كتبوا على موقع غلاسدور - الخاص بالتعليق على الوظائف مثلما يختص تريب أدفايزر بتقييم العطلات - وأخبرونا عن مشاعرهم حيال العمل مع أوكادو. هذا عار ولغز محير. كان يجب أن تكون الخبرات للموظفين الحاليين والسابقين هي أهم شيء يؤخذ في الاعتبار عند اختيار الشركة التي عليهم العمل فيها. وعلى الرغم من الدعوات المستمرة التي تقدمها المواقع على الشبكة لإبداء الرأي، إلا أنه يبدو أن نسبة قليلة جداً من العاملين في الشركات الكبيرة ترغب في قول أي شيء عن وظائفهم. أكثر التفسيرات وضوحاً هو الخوف. وعلى الرغم من أن المراجعات تنشر بأسماء مستعارة، ومع أن أغلب هذه المواقع تقسم أنها لن تعطي للآخرين أبداً أية تفاصيل حولك، ربما يظل الناس يشعرون بالقلق من أنهم لو قالوا إن شركتهم متعثرة وتترنح، فإن الانتقام منهم سيكون أشد مما لو قالوا، مثلاً، إن محارم المسح الرطبة المستعملة في الحمام التي تنتجها شركة أندريكس من نوعية غير جيدة. والتفسير الثاني هو أنه بالنسبة للوظائف وخلافاً لورق الحمام، يوجد الكثير من الأشياء التي يمكن الشكوى منها، الأمر الذي يعني أنه من الخطأ أن تأخذ كل ما يكتب على محمل الجد. مثلا، ما حدث لي في الأسبوع الماضي عندما أرسل لي قارئ رسالة بالبريد الإلكتروني ينبهني فيها إلى وجود صفحة غلاسدور الخاصة بشركة خدمات مالية صغيرة. فقد ترك العديد من موظفي هذه الشركة تعليقات ضارة ومثيرة يتحدثون فيها عن "الثقافة المريضة نفسياً" و"المعاملة المخيفة التي يتلقاها كل عامل في الشركة". لكن الشيء الوحيد الذي أعجبهم في هذه الشركة هو القهوة المجانية التي يحصلون عليها والسخرية المريرة من الزملاء في المواقف الصعبة. وبعد أيام قليلة من نشر هذه التعليقات جاء عدد كبير من التعليقات المعلمة بأربعة نجوم متوهجة، كانت تفصل بين كتابة كل واحدة وآخرى فترة قصيرة. وتبع هذه التعليقات تعليق آخر معلم بنجمة واحدة، انتهى بـ: "نصيحة للإدارة: انفقوا وقتاً أقل في كتابة التعليقات الكاذبة". إذا نظرت إلى الـ 731 تعليقاً التي كتبت حول صاحب العمل الخاص بي، وهي مجموعة بيرسون (التي تمتلك صحيفة "فاينانشيال تايمز")، لبدت الأشياء أقل تطرفاً. هناك بعض التعليقات التي أجدها سلبية وظالمة: "تعامل الإدارة الموظفين مثل معاملة عمال المصانع". وبعض التعليقات إيجابية بصورة تفتقر إلى الإنصاف: "الناس رائعون والبيئة مذهلة". لكن البقية، بما في ذلك "كثير من الإدارة الخانقة التي تركز على الالتزام" لا تثير أي ذكرى لدي. وهذا يأتي بنا إلى السبب الثالث والأهم في أن مراجعات الوظائف على الإنترنت لن تتمتع أبداً بقوة المراجعات حول مواد البقالة. ورق الحمام الذي أستعمله هو الورق نفسه الموجود لديك – على اعتبار أن كلينا يتسوق في ويتروز إسنشال. لكن وظيفتي ليست مثل وظيفتك، حتى لو كنا نحمل الاسم نفسه في شيك الراتب. وظيفتي تعتمد على الشخص الذي أتبع له والناس الذين أجلس معهم والأمور التي أقوم بها أثناء التحديق في شاشة الكمبيوتر. بالتالي، مراجعتي لعملي – التي ستكون على النحو التالي: أناس أذكياء، نتبادل قطع الحلوى والنكات، لكن عليَّ أن أقوم بتوليد جميع أفكاري – لن تكون لها فائدة لأي شخص، عدا شخصي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES