العالم

«حزب الله» .. ومأزق التداعيات الإقليمية

«حزب الله» .. ومأزق التداعيات الإقليمية

«حزب الله» .. ومأزق التداعيات الإقليمية

تسارعت وتيرة الأحداث في لبنان هذا الأسبوع مع اشتعال الجبهة الشرقية، حيث واجه حزب الله مقاتلين من جبهة النصرة وثوارا سوريين. في الوقت نفسه تبنت جهات مجهولة إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، في محاولة فاشلة حتى الآن لإشعال جبهة الجنوب. الديناميكية الجديدة الناتجة من هذه الأحداث تشير إلى تحول جذري في أهداف واستراتيجية أكبر قوة عسكرية في لبنان: حزب الله. فبينما كانت أولوية الحزب في السابق مواجهة العدو الإسرائيلي، أصبح اليوم بعد تورُّطه في الحرب في سورية مجبرا على تركيز قوة ردعه على القتال ضد الثوار السوريين، في حرب تأخذ يوما بعد يوم ملامح التشدد. ازدادت المخاوف في لبنان، الأسبوع الماضي، من حرب مع إسرائيل بعدما استمر مسلسل الصواريخ الذي انطلق بداية من سهل الماري في اتجاه مستوطنة كريات صلية، تبعه إطلاق نار آخر من سهل المعلية جنوب صور باتجاه مستوطنة نهاريا الواقعة قبالة رأس الناقورة، كما أطلق مجهولون صاروخين من القليلة. عثر أيضاً الجيش اللبناني على منصات صواريخ معدة للإطلاق في مناطق جنوبية عدة. يقول نيكولاس بلانفورد، وهو خبير في شؤون حزب الله "إنه من غير المرجح أن تؤدي الهجمات الصاروخية إلى زعزعة الاستقرار بشكل خطير على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية. إذ ليس لدى حزب الله ولا إسرائيل الرغبة في الوقت الحالي في الانجرار إلى مواجهة، بينما ينشغل الطرفان في نزاعات في أماكن أخرى". ردّ الجيش الإسرائيلي بإطلاق 15 قذيفة نحو سهل المعلية، سقطت في خراج بلدات طير حرفا وزبقين والقليلة والسماعية، من دون أن تؤدي إلى أضرار بشرية. وأطلقت قنابل مضيئة في سماء منطقة صور حتى مشارف رامية وعيتا الشعب في بنت جبيل. وقصفت مدفعية الجيش الإسرائيلي أطراف بلدات الحنية وزبقين والقليلة، بنحو 23 قذيفة. أعلن الجيش اللبناني توقيف المتورطين في عملية إطلاق الصواريخ وهما فلسطينيان، فضلا عن توقيف شيخ لبناني يدعى حسين عطوي، وهوشيخ وخطيب مسجد ومدير العلاقات العامة في "المجلس العالمي للغة العربية" ومقرّب من الجماعة الإسلامية. وعلى الرغم من القصف الإسرائيلي على المناطق الجنوبية، مركز القوة لحزب الله، لم يجب هذا الأخير عن الحراك العسكري من الجهة الأخرى للحدود. وباستطاعة إسرائيل حاليا تجنب أي تحرك عسكري طالما لا تستهدف صواريخ الغراد التي تطلق من لبنان مدنيين إسرائيليين. الجيش أيضاً حريص على تهدئة الوضع: فقد اتخذ الجيش اللبناني إجراءات أمنية استباقية استثنائية جنوب الليطاني معززاً تمركزه وانتشاره في البساتين بين القليلة والحنية وفي الأحراج في منطقة حاصبيا، خصوصا خلال الليل. ووفق بلانفورد "إسرائيل لا ترغب أكثر من حزب الله في فتح جبهة أخرى، ما يفسر الجهود المبذولة لتجنب أي خسائر في صفوف المدنيين في لبنان تفاديا لجر الحزب إلى التصعيد". يشارك هذه الآراء الدكتور هلال خشان، أستاذ في العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت. فحسب خشان "يعلم نصرالله (قائد حزب الله) طبيعة الرد الإسرائيلي. فعندما سُئل إن كان قد دخل في مواجهة إسرائيل لو أنه علم نتيجتها بعد حرب 2006، أجاب بالنفي. إسرائيل أوضحت أن أي استفزاز من جانب حزب الله يعني حربا شاملة، وحزب الله حذر من ذلك. تستعمل إيران اليوم حزب الله بقدرة أخرى تختلف عن السابق كحليف إقليمي يحارب المقاتلين المناهضين للقوة الفارسية". #2# يختلف موقف حزب الله في الجنوب عن إدارته للأحداث في شرق لبنان. ففد شهدت هذا الأسبوع سلسلة الجبال المتاخمة لمنطقة القلمون السورية اشتباكات وقعت بين حزب الله ومسلحي المعارضة السورية المنتشرين في الجرود اللبنانية، بعد فرارهم من القرى السورية القريبة من الحدود. يشير مصدر في الجيش اللبناني إلى "وجود حوالي ستة آلاف مقاتل سوري في هذه المنطقة الحدودية، منهم تابع لجبهة النصرة، والتسميات للمسلحين كثيرة على الحدود. وعدد منهم يختبئ في الكهوف وصفحات الجبال فوق منطقة عرسال". قرية عرسال السنية متعاطفة إلى حد كبير مع الانتفاضة التي يقودها السنة السوريون ضد الرئيس السوري بشار الأسد، في حين تدعم قرى البقاع الأخرى حزب الله اللبناني الذي يقاتل حاليا جنبا إلى جنب مع قوات النظام. اشتدت المعارك في السلسلة الشرقية اللبنانية موقعة عشرات القتلى. ونقل المرصد السوري المعارض سقوط نحو سبعة قتلى من عناصر حزب الله و30 جريحا في اشتباكات عنيفة اندلعت بين الطرفين في محيط بلدة عرسال. كما أوضحت مصادر مطلعة لجريدة "الأخبار" المقربة من حزب الله، أن الاشتباكات العنيفة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، فضلاً عن عشرات الغارات التي نفذتها الطائرات الحربية السورية، ما أدى إلى مقتل عشرات المسلحين من جبهة النصرة. يقول هلال خشان إن "الحدود السورية - اللبنانية في هذه المنطقة تعتبر حساسة لأنها مطلة على معقل حزب الله في البقاع، والأهم على مدينة بعلبك، مسقط رأس المنظمة المسلحة". منذ سقوط منطقة القلمون السورية بين أيدي قوات الأسد وحزب الله، عمد المسلحون إلى تنفيذ هجوم ومحاولات تسلل إلى القرى اللبنانية، التي تعتبر مناطق استراتيجية في الحرب ضد حزب الله وإلى استهداف القرى اللبنانية المناصرة له من خلال إطلاق الصواريخ. يقول أحد ضباط الجيش اللبناني الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته "أصبح نفوذ المتمردين السوريين على بلدة عرسال أمرا واقعا لا مفر منه". يعزو الدكتور خشان التطرف والدعم المتزايد للثوار السورين في عرسال إلى واقع المنطقة النائي والمهمل من قبل الحكومة اللبنانية. ويشير خشان إلى أن "المتمردين السوريين بما ذلك جبهة النصرة يستخدمون عرسال لشن هجمات على حزب الله، الذي يجد نفسه مضطراً لاستعادة السيطرة على المنطقة بتكلفة عالية جدا". فهذه الهجمات للحزب على المسلحين السوريين تترافق في معظم الأوقات مع قصف للطيران السوري أوقع خلال الأسبوع الماضي سبعة جرحى من سكان عرسال مما يزيد التوتر في البقاع بين الطوائف الشيعية والسنية. تأتي هذه التطورات الخطيرة لتؤكد خطاب نصر الله المزدوج المتداول منذ بدء القتال في سورية. ففي مايو 2013، أكد زعيم الحزب خلال كلمة تلفزيونية، تورط حزبه في سورية وادعى أن إسرائيل ستعاود دخول لبنان في حال سقوط نظام الأسد في أيدي المتمردين. وأحداث الاسبوع الماضي تشير إلى التناقض في السياسة الجديدة لحزب الله ما بين حديث مهدد بمواجهة العدو الإسرائيلي في الجنوب وتركيز التحرك العسكري باتجاه سورية في الشرق. كأن مقاتلي المقاومة فقدوا فلسطين على الخريطة، بحسب قول سابق للصحافي نديم قطيش، المعارض لحزب الله، واتخذوا طريق الشام للوصول إلى القدس. "في رأيي أن مواجهة حزب الله لإسرائيل أصبحت مستبعدة في الوقت الحالي، كما انتهى دوره كحركة مقاومة ضد العدو بسبب انخراطه في الحرب في سورية"، حسب دكتور خشان. مع ازدياد الضغط على الساحة السورية بخروج وتوجه الميليشيات الشيعية الداعمة لنظام الأسد إلى العراق بسبب صعود الدولة الاسلامية في بلاد الشام هناك، سيجبر حزب الله على تحصين وجوده في مناطق عدة في سورية، مما يفسر جزئيا ازدياد العمليات في القلمون. في الوضع الراهن الشديد التعقيد تبدو الحرب على إسرائيل احتمالا ضئيلا جدا. إذ ليس بوسع الحزب العسكري اللبناني إلا الانتظار والترقّب في وقت تتوغل القوات الإسرائيلية داخل غزة، بينما يصب هو تركيزه على الحرب المذهبية الممتدة من العراق إلى حدود لبنان، هذه الحرب التي قد يهدد تدخل الحزب بتأجيج شرارتها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم