Author

بناء الثقة .. قبل التحفيز

|
استكمالا لحديثنا عن الاستثمارات المؤسسية ودورها في زيادة كفاءة سوق المال، في ظل توصية مجلس الشورى بتعزيز الاستثمار المؤسسي، خصوصا إذا ما علمنا أن نسبة الاستثمارات الفردية تجاوزت الـ 90 في المائة من إجمالي حجم الاستثمارات في السوق المالية على اختلاف الإحصاءات. وبما أن السوق السعودية ما زالت تعيش حسب الكثيرين مرحلة إعادة بناء الثقة بعد انهيار شباط (فبراير) الكبير وما تلا ذلك من تطورات، تؤكد أهميتها موافقة مجلس الشورى أخيرا على المطالبة المقدمة لهيئة السوق المالية باتخاذ جميع التدابير للتحكم في المخاطر التي قد تؤثر في استقرار السوق. وبرصد نبض السوق، نجد أن المستثمرين الأفراد تتمحور مشاكلهم في مشكلتين رئيستين: الأولى، أزمة ثقة كبرى، حيث ما زال انهيار شباط (فبراير) يلقي بظلاله على المستثمرين وطريقة إدارة استثماراتهم في السوق المالية، والثانية تتمثل في عدم قناعة المستثمرين بكفاءة الشركات الاستثمارية الموجودة حاليا التي من المفترض أنها تملك من الدراية والمهارات اللازمة التي تمكنها من تحقيق مستوى أداء أفضل بكثير من متوسط أداء المحافظ الفردية. ولتأكيد مرور السوق بأزمة ثقة، فإن اتفاقيات المبادلة التي تم اعتمادها عام 2008 لم تنجح بشكل كبير في جلب الاستثمارات الكبيرة. وحسب آخر الإحصائيات، فإن استثمارات المقيمين من خلال محافظهم الاستثمارية، وغير المقيمين من خلال اتفاقيات المبادلة لم تتجاوز الـ 3.5 في المائة من إجمالي الاستثمارات. ويبقى السؤال المطروح في ظل وصول العديد من أسهم شركاتنا الكبرى إلى معدلات ربحية ممتازة مقارنة بالعديد من الشركات الرائدة في الأسواق المالية، التي تجاوزت مكرراتها الـ 18 ضعفا. فبعض شركاتنا في السوق المالية تتداول اليوم عند مكررات ربحية 13 أو 14 ضعفا، بمعنى أن استرجاع رأس المال يكون خلال 13 أو 14 عاما. فيا ترى ما الذي يمنع الصناديق العالمية التي يُعرف توجه الكثير منها خلال السنوات القليلة الماضية الأخيرة للاستثمار في الأسواق الناشئة، من الاستثمار في سوقنا المالية التي تعتبر واحدة من أكبر الأسواق في المنطقة. خصوصا إذا ما علمنا بالنظرة الإيجابية التي تكاد تجمع عليها كل وكالات التصنيف لاقتصادنا الوطني خلال السنوات المقبلة، وكذلك النظرة المستقبلية الإيجابية للعديد من الشركات على مستوى عدد من القطاعات، ولا سيما القطاع البتروكيماوي؟! إن مشكلة الثقة الحالية، يكمن علاجها الأبرز من وجهة نظرنا في العمل على الارتقاء بمستوى الشفافية، ورغم أننا قد قطعنا شوطا كبيراً في هذا الإطار منذ انهيار شباط (فبراير) 2006، إلا أن الطريق لا يزال طويلا. وبالنسبة لعدم قناعة المستثمرين، فمتى ما أردنا فعلا أن نعمل على انتقال شريحة كبيرة من المستثمرين الحاليين من الاستثمارات الفردية إلى الاستثمارات المؤسسية وكذلك توجيه المستثمرين الأفراد الجدد نحو الاستثمارات المؤسسية. فإنه يلزم مراقبة أداء جميع الشركات الاستثمارية، وزيادة حجم البيانات الصادرة منها بشكل أسبوعي أو شهري على أقل تقدير. هذه الخطوة التي لن تسهم فقط في رفع مستوى الثقة، بل ستعمل أيضا على زيادة قناعة المستثمرين الأفراد بأن الصناديق الاستثمارية المتميزة قد تكون أحد أفضل الاستثمارات المتاحة. كما ينبغي أن تصنف أفضل الصناديق الاستثمارية بحسب المعايير الاستثمارية المتخصصة، التي يأتي على رأسها استراتيجيات الاستثمار، جودة الاستثمارات السوقية، ونجاح الصناديق في تحقيق أهدافها سواءً لتحقيق عوائد مستقرة أو تحقيق معدل نمو مقبول. وبمقارنة أداء هذه الصناديق مع متوسط أداء المحافظ الفردية بشكل دوري مع تكثيف التوعية حول استثمارات السوق المالية التي يتوقع أن تقدم عوائد مقبولة، فإننا نكون قد قطعنا شوطا كبيرا نحو بداية الانتقال التدريجي للسيولة من المحافظ الفردية إلى المحافظ المؤسسية. يتضح مما سبق أن أزمة السوق المالية هي أزمة ثقة ووعي في المقام الأول قبل أن تكون حاجة لخطط التحفيز، ومن ثم فإن خطط التحفيز تكون هي المرحلة المقبلة التي تبنى على نجاح المرحلة الحالية.
إنشرها