Author

حتى نحفظ ما بقي من استثماراتنا

|
كفاءة سوق المال في أي دولة دليل على تحسن مستوى كفاءة الاقتصاد ككل، ومن هنا ينصب اهتمامنا الكبير بكفاءة السوق المالية. ببساطة مصطلح الكفاءة ينص على أن جميع الأخبار التي تؤثر في شركة ما معكوسة بسعر أسهمها، ما يعني أن أغلبية تلك الأسهم تتداول على مستويات قريبة من سعرها العادل. نلاحظ أن الأغلبية العظمى من المستثمرين في أسواقنا العربية من الأفراد، على عكس الدول المتقدمة التي تشكل الاستثمارات المؤسسية أغلبية الاستثمارات. وهذا ليس بمستغرب، إذ إن أسواقنا لا تزال تعد من الأسواق الناشئة، وتقدر نسبة المستثمرين الأفراد، وهم الذين يديرون استثماراتهم بأنفسهم عن طريق محافظهم الخاصة، بنحو 90 في المائة. وليست المشكلة في أن نستثمر أموالنا بأنفسنا، لكن التاريخ أثبت أن تحقيق العوائد التي تفوق مستوى أداء المؤشر بثلاثة أو أربعة أضعاف هو كالجري خلف السراب، فالأسواق المتقدمة لا تتجاوز نسبة من يستطيعون تحقيق أداء يفوق أداء المؤشر 10 في المائة من إجمالي المستثمرين. كما لاحظنا انتشار أساليب غير علمية، مثل “اشتر على الشائعة وبع على الخبر”، وبالتالي توجهت السيولة نحو أسهم قليلة القيمة، كثيرة التقلب في الأسعار. هذه الأسهم التي تصعد بسرعة كبيرة في ظرف عدد قليل من جلسات التداول، وما تلبث أن تقوم بالانهيار في عدد قليل من الجلسات الأخرى. ناهيك أن هذه الأسهم في سلوكها تتعدى كل أساسيات وأبجديات الاستثمار، كبيانات الأرباح، والأخبار الإيجابية. وكأن المستثمرين دخلوا ليجنوا الخسائر. والكارثة الكبرى، أنه عندما يتجه إليها أغلبية المستثمرين الأفراد فإن هذا يعني انهيارا محتما كما حصل عام 2006. فهل سمعتم يوما باستثمار تتساوى فيه نسبة الربح أو الخسارة، نوع من الاستثمارات لا يمكن لأحد كان مهما كان اطلاعه ومهارته توقع أدائها، إلا إذا كانت لديه المعلومة، وفي هذه الحالة فإن ذلك يتعارض مع قانون الكفاءة. لا شك أن عديداً من المستثمرين على علم بذلك، ولكن ما أردت قوله إن التغيير في سلوكنا ونهجنا الاستثماري هو السبيل الوحيد نحو تغيير جذري في اتجاه استثماراتنا وضمان حمايتها. إن الاستثمارات المؤسسية التي بُنيت بطريقة صحيحة، التي ترتكز على مبدأ تنويع الاستثمارات وتقليل المخاطر، والتركيز على الموازنة بين أسهم النمو وأسهم العوائد، يكون أداؤها معقولا على المديين المتوسط والبعيد. وهذه الصناديق ما زالت لم تكسب ثقة المستثمرين بالشكل المأمول، وأني على ثقة بأن المستثمر متى ما وجد الصناديق المناسبة، مع المزيد من التوعية الاستثمارية، وخطط التحفيز فإنه سيتجه إليها، وبالتالي تزداد نسبة الاستثمارت المؤسسية بمرور الوقت. مع الأسف، فإن ثمة ظاهرة تستحق الدراسة في العالم كله، وهي قصر المدى الاستثماري، حتى في الأسواق الكبرى الأكثر كفاءة. والحقيقة أنه لا يمكن الاستفادة من الأخبار الإيجابية على الشركات المدرجة في السوق إذا كانت استثماراتنا عبارة عن مضاربات سريعة. فعلى سبيل المثال، حين تعلن شركة مثل سابك عن استثمارات توسعية كبيرة في أحد قطاعاتها، فإنها في الغالب تمر بمراحل من تكاليف ما قبل التشغيل، ومرحلة التكاليف التشغيلية حتى تستطيع الشركة استعادة رأس المال المستثمر بالكامل، من ثم تقوم بتحقيق التدفقات النقدية الإيجابية، وبالتالي زيادة قيمة الشركة، ما ينعكس إيجابا على زيادة قيمة استثمارات ملاك الأسهم. لذا نلاحظ في بعض الأسهم في الأسواق الكبرى، مثل سهم شركة جوجل الذي استمر في تحقيق الصعود على مدى سنوات قبل الأزمة المالية وذلك لعديد من الأخبار الاقتصادية والنتائج الإيجابية التي أثرت في السهم. قام مجلس الشورى أخيرا ببحث سبل تعزيز ثقافة الاستثمار المؤسسي. ولأجل أن يقوم المستثمرون الأفراد بائتمان الصناديق الاستثمارية لإدارة أموالهم ومدخراتهم، فإن هناك بعض الأساسات التي يجب أن تحكم عمل هذه الصناديق، بل آليات واضحة جدا لتقييم أدائها تقدم بشكل مبسط يمكن اأن يفهمه المستثمرون على اختلافهم. هذا ما سيكون موضوع بحثنا في المقال القادم – إن شاء الله.
إنشرها