Author

سلبيات التنبؤات النفطية الخاطئة

|
لو تتبعنا تأريخ التنبؤات والتوقعات التي تعلنها تقارير الهيئات والمؤسسات الدولية، التي من المفترض أنها متخصصة في مجال مصادر الطاقة، حول مستقبل أحوال وأسعار النفط وكميات الإنتاج المرتقبة خلال العقود القادمة، لما وجدنا واحداً منها قد أصاب الهدف المقصود. بل إننا في أغلب الأحيان نشاهد فارقا شاسعا بين ما تنبؤوا به من معلومات وأرقام وبين الواقع الملموس. ومعظم الأسباب التي تؤدي إلى عدم الدقة في نتائج التنبؤات معروفة لمن يتابع الدراسات والمتغيرات على الساحة الدولية. ولعل من أهمها تسييس نتائج البحوث والدراسات، ولا نقول تزييف، في كثير من الأحوال أو تقديم المصالح الخاصة لدولة ما على المصداقية والحيادية. يلي ذلك في الأهمية، غياب الشفافية التي تمارسها شركات النفط الوطنية والعالمية فيما يتعلق بالاحتياطيات النفطية الحقيقية القابلة للاستخلاص. ولذلك فمن المآخذ الجوهرية على تلك الدراسات قبول أرقام الاحتياطيات التي يتداولها الإعلام على علاتها، وكان الأولى أن يدركوا، بحكم تجاربهم وعِظَم مسؤوليتهم عدم موثوقيتها. وهناك أيضا عوامل أخرى تتعلق بطبيعة انخفاض مستوى الإنتاج التدريجي للحقول النفطية، المتعلق بالنضوب الطبيعي مع مرور الوقت. وهم يعلمون جيدا أن المعلومات الخاصة بالاحتياطيات النفطية التي يتداولونها منذ ما يقارب الـ 30 عاما دون أي تغيير يُذكر لا يمكن أن تكون صحيحة مع استمرارية الإنتاج خلال عقود من الزمن. ولذلك فهم يستخدمونها في تنبؤاتهم لمستقبل الإمدادات النفطية على ما هي عليه من عدم الدِّقة، مما يقلل من مصداقية استنتاجاتهم التي لم تصدق قط. ويحضرني مثال على الاعتماد على المصادر غير الموثوقة، حدث قبل فترة وجيزة. فقد سبق أن أعلنت إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية أن احتياطي النفط الصخري في تكوين "مونتيري" في ولاية كاليفورنيا يبلغ أكثر من خمسة عشر مليار برميل. وتبين فيما بعد أن الاحتياطي الممكن إنتاجه اليوم اقتصاديا قريب من نصف مليار برميل. وقد تحدثنا عن هذا الموضوع بالتفصيل في مقال سابق، 6/8/ 2014. وقبل عشر سنوات، ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقاريرها الدورية أن إنتاج السعودية في عام 2030 سوف يبلغ ثمانية عشر مليون برميل. ولا نعلم من أين أتوا بهذه المعلومة الخاطئة؟ وفي آخر تقاريرها، تنبأت وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج النفط غير التقليدي، والمقصود هنا هو النفط الصخري، سوف ينتشر خارج أمريكا الشمالية قبل نهاية هذا العقد. فذكر التقرير احتمال إنتاج 100 ألف برميل من روسيا و90 ألف برميل من الأرجنتين بحلول عام 2019. وعلى ضآلة هذه الكمية، فلم توضح الوكالة كيف سوف يتم ذلك ولا مستوى الأسعار حينذاك. فهو إذاً مجرد تخمين. والذي نعرفه أن إنتاج الصخري خارج أمريكا لا يمكن أن يكون اقتصاديًّا أو قريبا من الأسعار السائدة اليوم. إذ لا بد من أن يرتفع سعر البرميل بنسبة كبيرة حتى تتهيأ الظروف المناسبة لإنتاج النفط الصخري خارج أمريكا الشمالية. ولو تتبعنا النتائج التي تذكرها التقارير الرسمية لوكالة الطاقة الدولية خلال الأربعين سنة الماضية، لوجدنا أنها لا تمثل كل الواقع. فقد كانت تتعرض لضغوط سياسية، خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية، وبالذات مساعدو الرؤساء الأمريكيين وعلى رأسهم، أو قل آخرهم، بوش الابن. لأنهم يريدون تكييف النتائج لمصالحهم السياسية والاقتصادية وعدم إثارة الشعوب عليهم. ولكن وبقدرة قادر بدأت الوكالة تقترب من قول الحقيقة حسبما يرونها من نتائج بحوثهم ودراساتهم، وهو ما يدل على انتفاء التأثير الخارجي ولو نسبيًّا على استنتاجاتهم. فقد ذكرت وكالة الطاقة أخيرا في أحد تقاريرها أنه في عام 2050 سوف تكون الطاقة الشمسية هي المصدر المهيمن على مصادر الطاقة عالميًا. وقدرت أن تكون نسبة مشاركة الطاقة الشمسية في حدود 27 في المائة من مجموع الطاقة المستهلكة آنذاك. وإن كانت هناك آراء تتوقع أن تكون نسبة الطاقة الشمسية في عام 2050 أعلى بكثير حتى من تقدير وكالة الطاقة. ولكن ماذا يعني هذا الموقف من وكالة الطاقة الدولية؟ هذا دون شك تحذير خطير للدول التي قامت بإنشاء هذه المؤسسة العالمية من أجل مراقبة مستقبل مصادر الطاقة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بمستقبل الإنتاج النفطي. هي الآن اقتنعت، أو ربما أنها كانت مقتنعة فعلا منذ مدة ولم تفصح عن مرئياتها خوفا من الضغوط الجانبية، بأن النفوط التقليدية الرخيصة التي كانت تمد الأسواق النفطية بما لا يقل عن سبعين في المائة من الاستهلاك العالمي قد بلغت الذروة وأوشكت على الهبوط. ولا نقصد الهبوط السريع، بل هبوطا متدرجا لكمية الإنتاج. وذلك يعني حدوث نقص حاد في الإمدادات، مع استمرار نمو الطلب على مصادر الطاقة. والوكالة تعلم علم اليقين أن النفوط غير التقليدية المكلِفة، رغم ضخامة احتياطياتها، إلا أن كميات إنتاجها قليلة جدًّا ولا تقارَن بإنتاج التقليدي الذي قد أبلى بلاء حسنا، ولا يزال، منذ أوائل القرن الماضي. وقد أسهم بفعالية متناهية في خلق هذه النهضة العلمية والاقتصادية والحضارية التي يعيشها العالم اليوم. ولا تزال وكالة الطاقة تلمِّح إلى ضرورة استثمار مئات المليارات من الدولارات في مجال الحفاظ على حجم الإمدادات النفطية التي تفي بالمتطلبات الدولية المتصاعدة. ومن الواضح أن الخطاب موجه إلى دول الإنتاج في الشرق الأوسط، والدول العربية بوجه خاص. ولكن هيهات أن يتحقق مثل هذا الحلم. فمن جهة، فيه إجحاف بحقهم إذا أريد منهم صرف نسبة كبيرة من دخلهم من أجل هذا الغرض. ومن جهة أخرى، فذلك يضر بمستقبل ثروتهم الناضبة إذا هم أسرفوا في الإنتاج من حقول قد عفا عليها الزمن. فاضطرت وكالة الطاقة إلى أن تقولها بصراحة إن الطاقة الشمسية هي المنقذ حتى يأتي الله بأمر من عنده. والشاهد هنا أن التنبؤات غير المنضبطة في مسائل مصيرية لا تساعد على التخطيط السليم وتضر أكثر مما تنفع.
إنشرها