Author

العنصرية البريطانية الاقتصادية

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الوطنية لا تكفي. علي ألا أضمر كراهية أو مرارة لأحد" إديث كافيل - أديبة بلجيكية تزداد في بريطانيا مشاعر العنصرية تجاه الأجانب. هذا أمر بات مؤكداً من أكثر من جهة بحثية واستقصائية محلية. ومهما كانت الأسباب، هناك سبب رئيس في هذا المجال، يتعلق بالجانب الاقتصادي. فالبريطانيون يعتقدون أن الأجانب يأخذون فرصهم في العمل، ولاسيما أولئك القادمون من شرق أوروبا، الذين باتوا يشكلون بالفعل ثقلاً عمالياً كبيراً في مختلف أنحاء المملكة المتحدة. ويرى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عكس ذلك، بل يهاجم البريطانيين، ويتهمهم بالكسل، ولذلك فهم يبحثون عن مبرر، ولم يجدوا إلا توجيه الاتهام للعمالة الأجنبية تحديداً، وبصورة متصلة، الأجانب (الأوروبيون منهم وغير الأوروبيين) الذين يستفيدون من نظام المعونة الاجتماعية الحكومية. واستنتاج بلير فيه من الصواب والخطأ في آن معاً. فالأمر لا يتعلق فقط بكسل البريطانيين، بل بتحولات اقتصادية واجتماعية وجغرافية.. وغيرها من المؤثرات الأخرى. والحديث عن تزايد مستوى عنصرية البريطانيين يجري بصورة أكبر منه عن العنصرية في بقية بلدان القارة الأوروبية، ولاسيما الغنية منها على الرغم من أن بريطانيا تحتل المراتب الدنيا في العنصرية مقارنة ببعض البلدان الأوروبية الأخرى، مثل فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا وغيرها. بل إن العنصرية في العديد من بلدان أوروبا الشرقية تفوق تلك الموجودة في المملكة المتحدة. ولأنها تتمتع بقدر أدنى من العنصرية (تاريخياً)، فإن أي ارتفاع في مستواها داخل الأراضي البريطانية، يبقى لافتاً أكثر من غيره. يضاف إلى ذلك، حوادث الاعتداءات القاتلة الأخيرة التي شهدتها لندن، ضد عدد من الرعايا الخليجيين، وهي بالفعل اعتداءات لم تألفها العاصمة البريطانية سابقاً، التي تتصدر قائمة المدن العالمية، كأفضل مكان لتآلف الأعراق والجنسيات. بل إن سياسيين بريطانيين بارزين، يفخرون بهذه الصيغة الاجتماعية المميزة. الأوقات تتغير، وتتغير معها المشاعر والرؤى والمفاهيم. فتآلف الأمس ليس بالضرورة أن يحتفظ بآلياته الإنسانية والحضارية. وفي كل الأحوال يعود السبب الرئيس إلى الأوضاع الاقتصادية غير المريحة التي تعيشها بريطانيا، رغم أنها أفضل حالاً من غيرها ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي، باستثناء ألمانيا. في بحث لمؤسسة البحوث الاجتماعية البريطانية المعروفة باسم NatCen، أظهر أن ثلث البريطانيين يعترفون بأنهم متعصبون عنصرياً. اللافت في هذا البحث، أن التعصب العنصري عاد إلى الارتفاع منذ انخفاضه إلى أدنى نسبة بلغت 25 في المائة عام 2001! وأكد مرة أخرى ميزة لندن في هذا المجال، إذ اعترف 16 في المائة من سكانها بأنهم متعصبون، في حين ارتفعت النسبة إلى 35 في المائة في منطقة غرب وسط البلاد. مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه النسبة ترتفع في أوساط العمال الذكور، أكثر منها في شرائح المتعلمين والمثقفين. وبلغت النسبة لدى حملة الشهادات 19 في المائة، فيما تجاوزت 38 في المائة عند الذين لا شهادة لهم. هذه النسب وتفاصيلها ليست غريبة. فدائماً.. تكون مشاعر التسامح والتفهم أعلى في أوساط المتعلمين منها في أوساط غير المتعلمين. الغريب فيها أنها ترتفع في ظل انتعاش اقتصادي واضح تتمتع به بريطانيا مقارنة بغيرها من بقية الدول الأوروبية. أي أن العنصرية ارتفعت والبلاد في طريقها للخروج من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية. وهذه الأخيرة كما نعلم، جلبت معها كل خراب ممكن، وأججت مشاعر العنصرية في غالبية بلدان العالم. لقد بات الناس ينظرون إلى القادم الجديد، كمقتنص لفرصة عمل، حتى وإن لم تكن هذه الفرصة متاحة أصلاً! فالمسألة تبقى أساساً اقتصادية، وبقية العوامل الأخرى، ليست سوى تفاصيل تظهر تارة هنا وتارة هناك، لكنها قابلة للتراجع أيضاً هنا وهناك. و"اقتصادية" المسألة ترتبط ارتباطاً يكاد يكون وحيداً في عملية الهجرة. فحتى ما قبل الأزمة العالمية، كان تدفق الأوروبيين الشرقيين إلى بريطانيا هائلاً، خصوصاً من البلدان التي بدأت بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أوائل العقد الماضي. وهؤلاء (كالعادة) يوفرون عمالة أرخص من العمالة البريطانية. فضلاً عن أنهم يتمتعون بمزايا الرعاية الاجتماعية المختلفة، باعتبارهم مواطنين ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي. ولهذا السبب ليس غريباً، أن يظهر البحث المشار إليه حقيقة اعتبرتها دوائر المؤسسات الاجتماعية البريطانية مقلقة. ففيما قال 90 في المائة من الذين اعترفوا بأن لديهم تعصبا عنصريا، إنهم يريدون خفض عدد المهاجرين إلى بريطانيا، قال 73 في المائة من الذين ادعوا أنهم لا يضمرون مشاعر عنصرية إنهم يريدون ذلك أيضا. وأمام هذه النسب، يمكن تفهم حقيقة ارتفاع مستوى التعصب العنصري في بريطانيا. فهذا التعصب، بات موجوداً حتى بين الشرائح التي لا تضمر مشاعر عنصرية! حتى ما قبل الأزمة العالمية، كان تدفق الأوروبيين الشرقيين إلى بريطانيا هائلاً، خصوصاً من البلدان التي بدأت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أوائل العقد الماضي. وهؤلاء (كالعادة) يوفرون عمالة أرخص من العمالة البريطانية. فضلاً عن أنهم يتمتعون بمزايا الرعاية الاجتماعية المختلفة، باعتبارهم مواطنين ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي. ولهذا السبب ليس غريباً، أن يظهر البحث المشار إليه حقيقة اعتبرتها دوائر المؤسسات الاجتماعية البريطانية مقلقة. ففيما قال 90 في المائة من الذين اعترفوا بأن لديهم تعصبا عنصريا، إنهم يريدون خفض عدد المهاجرين إلى بريطانيا، قال 73 في المائة من الذين ادعوا أنهم لا يضمرون مشاعر عنصرية إنهم يريدون ذلك أيضا.
إنشرها