Author

السعودية ومصر .. لا تسييس للاستحقاقات

|
كاتب اقتصادي [email protected]
تطرح زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمصر دلالات عديدة، لا تتعلق فقط بتكريس الشراكة المتنامية المتماسكة بين المملكة ومصر، التي وصلت إلى أوجها، في الوقت المناسب. بل ترتبط أيضاً بمنح التحالف بين البلدين الشقيقين، أعلى مستوى من المباركة. ورغم أن هذا التحالف ليس جديداً بين الرياض والقاهرة، إلا أن تدعيمه أخذ شكلاً تاريخياً في الآونة الأخيرة، يتصل بالتحولات التاريخية الجارية في مصر، وبالفترة الانتقالية التي مرت بها على مدى السنوات الثلاث السابقة. وهي فترة اتسمت بسلسلة من السلبيات أوصلت مصر إلى حافة الفوضى الكاملة. بحيث بات الحديث عن التحول الإيجابي المستحق الذي شهدته في يناير 2011، سلبياً. وصارت المخاوف، أعلى بمساحات واسعة من التطمينات. أُريد لمصر من بعض الجهات أن تكون بلون سياسي واحد، وهو أمر يتناقض مع طبيعة الأشياء. اعتاد العرب (بشكل عام) على وصف أقل التحركات (بل وأتفهها) بـ "التاريخية". وهو توصيف أسرفوا في إطلاقه، من فرط الفشل المتواصل الذي يقعون فيه. وغالباً ما يكون حراك العرب بلا قيمة، وفي بعض الأحيان، يحمل قيمة معاكسة. وليس أسهل من إطلاق التوصيفات. ولكن هل من السهل تحقيق الإنجازات؟ زيارة الملك عبد الله لمصر، تحمل بجدارة التوصيف التاريخي، وتأتي استكمالاً للطروحات التي وردت في البيان الملكي السعودي الموجه للرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، في أعقاب فوز الأخير بالانتخابات الرئاسية. والزيارة توفر للشراكة السعودية المصرية المتجددة، أكبر دعم لها، وتحمل معها المزيد من التطمينات. وتأتي في مرحلة ستظل التحولات حاضرة فيها لوقت لن يكون قصيراً. فالإصلاح (أي إصلاح) يتطلب وقتاً طويلاً، لا يقارن بالزمن الذي يستغرقه التخريب. لا يمكن العودة إلى الوراء. فـهذا الوراء حفل بالكثير من السلبيات التي بلغ بعضها مستويات خطيرة، وخطيرة جداً. والسعودية تعرف أن التركيز على المستقبل في مصر، يتطلب حراكاً يتساوى على الأقل مع استحقاقات هذا المستقبل. وهي استحقاقات ليست سهلة في المواجهة، وتحمل معها أخطارها. ومصر حالياً، ليست بحاجة لأن تكون مركزاً للخلافات، بل هي بأمس الحاجة لتتحول إلى ساحة للتوافق. التوافق الداخلي والإقليمي والدولي. لماذا؟ لأنها ليست بلداً هامشياً، ولن تكون. وكلما قلت مشاكلها وصلت إلى المرحلة التي تستحقها من الاستقرار والعمل والإنتاج والتنمية. إن تسييس الحراك المصري الداخلي والإقليمي في هذا الوقت بالذات، لن ينال إلا من الشعب المصري نفسه. لقد سدد هذا الأخير ما يكفي من الفواتير التي لم يشتر بها شيئاً! منذ مرحلة الاستعمار إلى يومنا هذا. من التوجهات السعودية التي تتصدر قائمة الأولويات حالياً، حشد ما أمكن من القوى الإقليمية والدولية، من أجل الوصول إلى برنامج استراتيجي تنموي يساعد مصر في مرحلتها الراهنة. ويجري حالياً بالفعل الإعداد لمؤتمر المانحين، الذي دعت إليه السعودية، وتقوم بالفعل بالتحضير له على المستويات كافة. وهذا المؤتمر يشكل حاجة ملحة للقاهرة، ويكتسب أهمية كبيرة، ليس لأن السعودية تمثل أكبر داعم لمصر فحسب، بل لأن الجهات التي أبدت الرغبة بالمشاركة فيه، تمثل ثقلاً اقتصادياً كبيراً. وطبقاً لبيانات وزارة المالية المصرية، فإن المملكة قدمت لمصر منذ 30 يونيو الذي شهد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، دعماً ومساعدات ومنحا مختلفة بلغت قيمتها 23.55 مليار دولار. وهي مبالغ مرتفعة بالفعل، فيما لو قورنت بالفترة التي منحت فيها. غير أن المنح والمساعدات (رغم حجمها) توفر حراكاً إنقاذياً، أكثر مما تقدم من استراتيجية مستدامة. ولهذا السبب تسعى الرياض إلى تحويل الدعم لاستراتيجية تنموية، يشارك فيها من يرغب من الأطراف الإقليمية والدولية. مصر حالياً تحتاج إلى إعادة بناء اقتصادها بصيغة مختلفة عما كانت عليه منذ عام 1952. وتطرح (قبل مؤتمر المانحين المزمع) عديداً من الخطط من أجل تهيئة الساحة المصرية للتنمية المستحقة، عن طريق مشاريع تنموية إنتاجية توفر الوظائف، وليس مشاريع استهلاكية لا تتصل بالمستقبل بأي شكل من الأشكال. دون أن ننسى أن أسوأ الأشياء حالياً هي تلك التي تتعلق بمساعدات مسيسة أو قابلة للتسييس. مصر لا تتحمل ذلك على الإطلاق. وهي تواجه مشاكل اقتصادية هائلة، لن تحل بمجرد انتخاب رئيس، مهما كانت شعبيته طاغية. لهذه الأسباب وغيرها، شكلت زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر أهمية كبيرة، واكتسبت الصفة التاريخية المستحقة. وهي بكل الصيغ، زيارة عمل حقيقية، ترتبط بين بلدين شقيقين مرا بمراحل مختلفة، ولكنها في الوقت نفسه متصلة بقوة بحراك إقليمي ودولي. والسعودية محور رئيس في هذا الحراك، سواء في أوقات الاستقرار أو في زمن التحولات. كما أنها توفر (بوزنها) ضمانات حتى لأولئك الذين يرغبون في مساعدة مصر، بعيداً عن المنغصات السياسية. صحيح أنه لا يمكن فصل السياسة عن الحراك العام، لكن الصحيح أيضاً أن مصر تحتاج حالياً لأطراف رحيمة، ونحن نعلم جميعاً أنه لا رحمة في السياسة.
إنشرها