Author

ماذا تريد الغرفة التجارية أن تقول؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
من السهل جدا أن تقذف بإحصاءات وأرقام تؤيد وجهة نظر من يطلقها، لكنه سيكون على المحك الحقيقي إذا ما تم البحث في تفاصيل تلك الإحصاءات أو البيانات المعلن عنها! بالأمس أعلنت الغرفة التجارية في الرياض عبر مركز التوظيف والتدريب فيها طرحها نحو 11751 وظيفة في 70 منشأة خلال النصف الأول من عام 2014، لم يتقدم لها من الجنسين إلا 1760 شابا وفتاة، أي ما لا تتجاوز نسبته 15 في المائة من إجمالي عدد الوظائف، التي راوحت رواتبها بين أربعة آلاف وعشرة آلاف ريال. وحسبما أشار تقرير مركز التوظيف والتدريب في الغرفة، شملت الوظائف المطروحة نحو 24 مجالا للعمل في القطاع الخاص، ممثلا في كبرى الشركات المساهمة في مجالات عدة غذائية وتقنية ومراكز تجارية، إضافة إلى قطاعات أخرى في مجالات خدمية وصناعية وسياحية ومقاولات. جهد إيجابي تقوم به الغرف التجارية عموما على مستوى المملكة، والمأمول أن يُثمر عن نتائج أفضل في المستقبل. لكن لا يصح على الإطلاق أن تحاول الغرفة التجارية في الرياض عبر تقرير مركز التوظيف والتدريب فيها، أن ترسم لنا هنا صورة وهمية مؤدّاها، أن الباحثين والباحثات عن العمل من المواطنين لا يرغبون في الحصول على فرص عمل متى ما توافقت مع مؤهلاتهم ورغباتهم! والمسألة ليست متركزة فقط على الراتب المرتفع أو على حجم الشركة كونها كبيرة. أقول هذا مع افتراض أن إعلانات الغرفة كما تقول قد وصلت إلى أعلى نسبة ممكنة من العاطلين والعاطلات، كون هذه النقطة لم توفّ حقها من الإيضاح. الأمر الآخر أن إسباغ العناوين العامة والبراقة على تلك الوظائف قد تختلف صورته التفصيلية تماما، وهو ما اعتدناه مع الوظائف المقدمة من القطاع الخاص، حتى من الشركات الكبرى كما تحب الغرفة وصفها. لتعلم الغرفة التجارية في الرياض، وليعلم صندوق الموارد البشرية ومن ورائهما وزارة العمل، أن أيّ فرصة عمل كريمة تتوافر فيها أغلبية شروط الاستقرار الوظيفي، سواء في القطاع الحكومي أو في القطاع الخاص، الباحثون عنها لن يتأخروا عنها. لكن أن تأتي تلك الوظائف تحت ما ابتليت به سوق العمل من فرص وظيفية في ظاهرها محبّة التوطين، وفي باطنها مجرد توظيف وهمي لمجرد اجتياز متطلبات برنامج نطاقات وبقية البرامج! أؤكد لكل تلك الأطراف وأولها مركز التوظيف والتدريب في الغرفة، أن محاولة إلقاء العبء والمسؤولية على عاتق الباحثين والباحثات عن عمل، والتملّص من تلك المسؤولية، هي محاولة فاشلة قبل أن تبدأ، وما كشفت عنه البيانات الرسمية الأخيرة لوزارة العمل نفسها يؤكد بجلاء أن نحو 64 في المائة من زيادة التوظيف خلال عام 2013 كانت وظائف وهمية! وهو ما توصل إليه "متأخرا" مجلس الشورى في مناقشته الأخيرة للتقرير السنوي للوزارة، وهو أيضا ما أكدته نتائج الجوالات التفتيشية للوزارة بحثا عن مخالفات السوق، التي أشارت إلى أن تسعة أعشار تلك المخالفات جاء في خانة التوظيف الوهمي. لست أنصّب نفسي محاميا ولا مدافعا عن شباب وشابات بلادي في هذا المجال، لكن لا بد أن تتوضح الصورة كاملة، وأن أغلبية الباحثين والباحثات عن فرص حقيقية وملائمة في سوق العمل، وتحديدا في القطاع الخاص، من أوّل حقوقهم التي لا جدال عليها من أيّ طرفٍ كان؛ أن تحظى بالقبول والرضا من قبلهم، وهو ما نصّت عليه أنظمة البلاد بما فيها نظام العمل، يستند ذلك الحق إلى ما يمتلكه الباحث عن عمل من مؤهل علمي وخبرات إن توافرت لديه، فلا يُعد على الإطلاق مقبولا ولا صحيحا أن تأتي وزارة العمل أو صندوقها أو أيّ من الغرف التجارية لتنشر في تقاريرها، أنها قدّمت مئات الآلاف من فرص العمل ولم تجد من يتقدم إليها، ثم تنتهي القصة عند هذه النقطة من الغموض! هل طرحك لوظائف بمئات الآلاف من الأعداد، لا تتجاوز المؤهلات اللازمة لها أكثر من الشهادة المتوسطة فما دون، وعدم التقدّم إليها من مئات الآلاف من الخريجين والخريجات الحاملين للشهادات الجامعية، أقول هل هذا وفق منطق عمل تلك الجهات ضد طموحات أولئك الباحثين عن عمل؟ أم أنه في حقيقة الأمر ضد تلك الجهات، التي لم - ولا يبدو حتى الآن- أنها تدرك أي شأن عنه هي مسؤولة؟ المسألة ليست مجرد تجميع أرقام وبيانات، ولا مجرد حصر للوظائف وحشر عباد الله فيها كيفما اتفق. ليس هذا بمجال إعادة ذكر ما يعانيه القطاع الخاص من ارتخاء وخمول، ومن ثم ما تعانيه وظائفه التي تحمّلت أرحامه أكثر من 90 في المائة من العمالة الوافدة التي لا تتجاوز مؤهلاتها الشهادة الابتدائية، ولعل هذا ما دفع بخجل وزارة العمل ومنعها من نشر إحصاءات توزيع العمالة في القطاع الخاص خلال الأعوام الأخيرة! هذا أمر سبق أن كتبتُ فيه بالتفصيل "الممل" بالاستناد إلى البيانات الرسمية المنشورة في التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي، الذي يعتمد بدوره على بيانات وزارة العمل ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات. إن التشوهات الكامنة في سوق العمل لدينا، أصعب من أن تواجهها منفردة وزارة العمل، وهو بالتحديد ما ذكرته "استراتيجية التوظيف السعودية" بالنصّ! أفضت تلك التشوهات إلى إيجاد وظائف لا تعكس إلا وجهها الحقيقي، دون أن تعكس الإمكانات غير المستغلة لاقتصادنا ومواردنا! هل علمت وزارة العمل وصندوقها التابع والغرفة التجارية أيّ "حمل" ثقيل تريد تلك الجهات أن تحمّله على كاهل مواردنا البشرية العالية التأهيل؟! لا أظن أنها حتى تاريخه علمت أو تريد أن تعترف بهذه التشوهات، على الرغم من اعتراف "استراتيجية التوظيف السعودية" صراحة في وثيقتها الموجودة على الموقع الإلكتروني لوزارة العمل. يا مركز التوظيف والتدريب في الغرفة التجارية، عليك أن تعلم أنك تخاطب مجتمعا عالي التعليم، وأنه أصبح في مقدوره تمييز الحقيقة من الوهم وإن اختبأ في تقرير مطبوع! ولن آتي بأمر جديد هنا، إلا أن أنصح هذا المركز وبقية الأطراف ذات العلاقة "وزارة العمل، صندوق الموارد البشرية" بالرجوع إلى "استراتيجية التوظيف السعودية"، والالتزام التام بما ورد فيها من برامج وسياسات، وكم سيكون حجم الصدمة كبيرا بالنسبة لتلك الجهات إذا ما تمت مقارنة ما قامت به تلك الجهات العديدة مع ما نصت عليه الاستراتيجية! ارجعوا إليها ثم هاتوا تقاريركم نقرأها. والله ولي التوفيق.
إنشرها