Author

الثلاثة الأفضل .. والقادم أفضل وأكثر

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
كما أنّ المجتمع يقول للمسيء أسأتْ، فمن باب أولى أنْ يقول لمن أحسن عمله أحسنتْ، لما لذلك من آثار حميدة على تحفيز روح المنافسة بين المتنافسين، ولكيلا تغيب عن الصورة منجزات من سخّر جُلَّ جهده ووقته لأداء المسؤوليات الملقاة على عاتقه. أظهر العديد من الأجهزة الحكومية خلال العام الماضي أداء متميزا، تقتضي أمانة الكلمة أنْ يُشاد بما قامتْ به تلك الجهات، وهو ما سيكون له أثره المحمود في معنويات منسوبيها، عدا أنّ واجب الأخلاق يفرض على من لمس آثار تلك الأعمال المخلصة، أنْ يرد المعروف بمثله أو أحسن، وأقلّه أن تقول له شكرا وتدعو له بالمزيد من التميّز والتوفيق. اخترتُ وفق اجتهاد منّي ثلاث جهات حكومية، رأيتُ أنّها كانت الأكثر تميزا في أدائها خلال عام 2013، علما بأنّ الجهات الحكومية التي تميّزت في عملها خلال العام الماضي أكثر من ذلك بكثير، وهو ما آمل ألا يُفهم على أنّه عدم اعتراف أو تجاهل لما بذلته تلك الجهات التي لن يرد ذكرها هنا، وأنّ الأمر أولا وآخرا لا يتجاوز مجرّد اجتهاد مني، كما أنّه قابلٌ للصواب مرة واحدة، فقد يكون قابلا أكثر من مرة للخطأ. كما تجدر الإشارة هنا إلى أنني حصرتُ نظرة التقييم هنا في المجال التنموي الذي يمسُّ رفاهية المجتمع، ما يعني أنّ بعض الجهات التي يتجاوز حجم مسؤولياتها وأدوارها هذا الجانب لم تدخل في هذه النظرة، لعل في مقدمتها وزارة الداخلية وما يخضع تحتها من جهات عديدة، نجحتْ في المحافظة على أمن واستقرار بلادنا العزيزة، وكفتها - بعد توفيق الله - شرور الجريمة ونشر المخدرات والرذيلة، التي كان لها دور بارز في تهيئة الظروف ومتطلبات الاستقرار الداخلي، لتعمل وتُنجز تحت مظلتها الآمنة بقية الأجهزة الحكومية وغيرها من منشآت القطاع الخاص، سائلين الله العلي القدير أنْ يحفظ لبلادنا وقادتها وأهلها أمنها واستقرارها من كل شر. آتي الآن إلى ذكْر تلك الجهات الحكومية التي برزت - من وجهة نظري المحدودة - كأفضل ثلاثة أجهزة حكومية من حيث الأداء، وهي على الترتيب: (1) وزارة التجارة والصناعة. (2) هيئة السوق المالية. (3) الهيئة العامّة للاستثمار. مؤكدا أنّ تقييمي استند في الدرجة الأولى إلى مقارنة ما قامتْ به تلك الجهات وغيرها، بما نصّتْ عليه أنظمتها الأساسية من مهام ووظائف ومسؤوليات. وأستند في درجة تالية إلى آلية تعاملها مع التحديات التي واجهتها خلال الفترة. وفيما يلي استعراض موجز لبعض ما قامت به تلك الجهات، ولمن أراد المزيد يُنصح بالاطلاع على التقارير السنوية لتلك الجهات. لقد نجحت وزارة التجارة في إحكام رقابتها على الأسواق المحلية، وأعادتْ جزءا كبيرا من ثقة المستهلك، بدا ذلك واضحا من خلال السيطرة على التلاعب في الأسعار، ومحاصرة العديد من أشكال الغش التجاري، وإلزام التجار بالعديد من الممارسات العادلة والنزيهة مع المستهلكين، هذا عدا ما لمسه المواطن والمقيم من تحجيم للعديد من الممارسات المخالفة التي كانت تُرتكب من الوكالات التجارية، وفي مقدمتها وكالات السيارات وخدمات الصيانة، والدور البارز الذي لعبته الوزارة في إعادة الأمور إلى نصابها. ومن جانب آخر، التطور الملموس الذي أظهرته على مستوى الخدمات الإلكترونية المقدمة لطالبي تأسيس الأعمال ومتابعتها وإنهاء إجراءاتها، مختصرة بذلك الكثير من الوقت والجهد الذي كان يُبذل في وقت سابق. إضافة إلى الدور الكبير الذي أظهرته على مستوى إنهاء ومعالجة المشاكل المعقدة للمساهمات العقارية وغيرها من المساهمات، التي كانتْ في وقت سابق واحدة من أبرز التحديات التي واجهتها الوزارة، تركتْ خلفها آثارا سلبية في بيئة الاستثمار المحلية، عدا نتائجها السلبية على المتورطين فيها من الأفراد. أمّا بالنسبة لهيئة السوق المالية، فكان من أبرز ما قامتْ به أنّها فرضتْ على جهازها قبل غيرها الحوكمة والشفافية والرقابة الداخلية، التي تعمل جاهدة على فرضها نظاما على عموم الشركات المساهمة والشركات الاستثمارية تحت مظلتها. وأظهر تقريرها السنوي الأخير لغة عالية الشفافية، بدأتْ آثارها تظهر جلية في تعاملات السوق المالية الأكبر في الشرق الأوسط، أعادتْ جزءا مهما من ثقة المتعاملين بالسوق، كان من أبرز أسباب عودتها تعزيز جوانب حماية المستثمرين، اعتماد الهيئة للتعليمات الخاصة بالشركات التي بلغت خسائرها من رأس المال 50 في المائة فأكثر، وفرضها معايير أعلى من حيث الشفافية والإفصاح على الشركات المساهمة المدرجة في السوق، وعلى الشركات الاستثمارية وتحديدا الصناديق الاستثمارية، التي أصبحت ملزمة بالإفصاح ونشر كل ما يتعلق بأنشطتها على موقع "تداول"، ونأمل جميعا أنْ توفّق الهيئة في توجهاتها المستقبلية التي أعلنتْها في التقرير. أخيرا بالنسبة للهيئة العامّة للاستثمار، فقد ظهرتْ نتائج تطبيقها المعايير الجديدة لإصدار التراخيص للمستثمرين الأجانب الجدد، إضافة إلى إلزام من حصل عليها من المستثمرين السابقين. كان من أهم ما قامتْ عليه تلك المعايير الجديدة، إعطاء الأولوية لما ستقدمه أي من الشركات المتقدمة لطلب الترخيص كقيمة مضافة للاقتصاد الوطني، ومساهمتها في تعزيز تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، ومدى قدرتها على توفير فرص العمل الملائمة للمواطنين. ونأمل جميعا أن يتحقق المزيد من النجاح لجهودها تجاه تعزيز تنويع القاعدة الإنتاجية، بتركيزها المعلن عن دعم وجود وتوسيع دائرة الصناعات التحويلية لدينا، كصناعة السيارات وقطع الغيار والإطارات والصناعات الكيماوية المتقدمة، والصناعات الدوائية والحيوية وصناعة الخلايا الشمسية ومواد البناء وصناعة ألياف البولي. كما يؤمل أن توفّق الهيئة في جهودها الساعية للقضاء على ما تبقّى من جميع أشكال المخالفات التي ارتكبتها أيّ من الشركات الأجنبية، تلك التي تورّطت في ممارسة نشاطات مختلفة عمّا تم الترخيص لها به. نقدّم لجميع تلك الجهات ومنسوبيها كافة الشكر والتقدير، وأن المجتمع يطمح باستمرار تميّزها الملموس، وأن يتطوّر إلى أفضل من ذلك، ولا يفوت الإشارة بالثناء لبقية الأجهزة المتميزة ممن لم يرد ذكرها هنا، وأنْ تدرك تلك الجهات وغيرها ممن أتى أداؤهم دون المأمول، أنّ المجتمع قبل الإعلام يتابع ويقوم بالتقييم المستمر لأي عمل أو جهد يتم بذله، وأنّهم بمثابة الشهود على كل ما تقوم به تلك الأجهزة الحكومية على اختلاف مواقعها ومسؤولياتها، وأنّ لغة الإنجاز ورؤيته على أرْض الواقع تتفوق على ما سواها من وسائل الترويج والتصريحات، وتعبّر من ثم أفئدة أفراد المجتمع - وفقا لحقها المشروع في التعبير - عن رأيها المستقل تجاه أيّ من تلك المنجزات أو أوجه القصور. والله ولي التوفيق.
إنشرها