Author

«يوروموني السعودية» .. اختبار التصريحات

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
حمل مؤتمر "يوروموني السعودية 2014" في نسخته التاسعة بعنوان "الابتكار والمنافسة تغير ديناميكيات العولمة"، الذي نظّمته وزارة المالية الأسبوع الماضي، العديد من الخطابات والتصريحات الصادرة عن مجموعة من القائمين على القطاعين الاقتصادي والمالي في البلاد، تمحورتْ جميعها حول أهم القضايا التنموية والاقتصادية المحلية، التي يؤمل فعلاً أنْ تتحقق وترى النور قريباً على أرْض الواقع، كنتيجةٍ مقبولة للدعم السخي الذي تجده من الدولة - أيّدها الله - بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين أطال الله في عمريهما، وبحرْصٍ ومتابعة من ولي ولي العهد وفّقه الله، وكاستجابةٍ وتلبيةٍ فعلية لمتطلبات البلاد والمجتمع في مختلف مجالات التنمية المستدامة، وأنْ نرى جميعاً توافقاً حقيقياً للإنجاز المأمول على السطح، يكون متزامناً مع الميزانيات المالية الخيّرة غير المسبوقة التي حظيتْ بها بلادنا، وأنْ تُترجم إلى ما يلبّي تطلعاتنا وطموحاتنا كافّة. لعل من أهمِّ تلك التصريحات ما عبّر عنه محافظ الهيئة العامة للاستثمار، تجاه عزْم الهيئة على إعادة تصنيف المستثمرين الأجانب في المملكة، وتركّزه على حجم المشاركة ومقدار الاستثمار وتوفير فرص العمل للمواطنين، حرصاً من الهيئة على دعم أي مستثمر يشارك المملكة تجربتها بتنويع مصادر الدخل ونقل التقنية، واعتماد الهيئة ضمن سياستها على دعم وتشجيع الاستثمار في مجالات الابتكار والتقنية في خطوة منها لزيادة التنافسية في الابتكار. إنّها الخطوة الأهم - في رأيي - في عمل الهيئة، التي يؤمل معها أنْ يعاد ترتيب أولويات تدفقات الاستثمار الأجنبي البالغة نحو 781.2 مليار ريال حتى نهاية 2013، لتُربط فعلياً بأهداف السياسة الجديدة المعتمدة من قبل الهيئة، ويحدّ بدوره من الآثار السلبية لتلك التدفقات، خاصةً فيما يتعلق بالاستنزاف المفرط على مصادر الطاقة؛ كون أكثر من 85 في المائة من تلك التدفقات وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، تركّز على الصناعات والمجالات المعتمدة بصورة أكبر على مواد اللقيم ذات الأسعار المنخفضة ''النفط المكرر، المنتجات الكيماوية والبتروكيماوية''، هذا عدا مساهمتها في زيادة استقدام العمالة الوافدة على حساب توظيف العمالة الوطنية. إنّه تحوّل إيجابي تجب الإشادة به في منهجية عمل الهيئة، يتم التركيز فيه على الأهداف الاستراتيجية التالية: تنويع مصادر الدخل، ونقل التقنية، وتوفير فرص العمل للمواطنين. التصريح الآخر الذي لا يقل أهميةً عن الأول، كان لوزير الإسكان، الذي وعد بنموٍ كبير سيشهده قطاع الإسكان في المملكة، لسد الفجوة الإسكانية ولمواجهة التنامي المستمر في الطلب. حيث انتهت الوزارة من إعداد كلٍّ من الاستراتيجية الوطنية، وتنظيم الدعم السكني، وتدشين كلٍّ من البوابة الإلكترونية لخدمات الإيجار، والمنصّة الإلكترونية لاستقبال طلبات المواطنين، والبدء في معالجة البيانات والتحقق منها آلياً، ومن ثم إعلان أسماء المستحقين وتوزيع منتجات الإسكان, كما انتهتْ الوزارة من تنفيذ بعض مشروعات الإسكان في عدد من مناطق المملكة، واستكمالها العديد من المشروعات الإسكانية الأخرى. أخيراً أشار الوزير إلى حرْص الوزارة على تطوير شراكتها مع القطاع الخاص و كلٍّ من التمويل والتطوير العقاري. هل أتى الوزير على ذكْر أهم معوقات سوق الإسكان، من احتكار الأراضي وما أدّى إليه من ارتفاعاتٍ غير مبررة للأسعار؟ الإجابة "لا"، كل ما تفضّل به الوزير من حديث لم يأتِ على أيٍّ من تلك الأسباب، التي هي في الأصل أساس الأزمة العقارية والإسكانية في بلادنا، وإنْ نجحتْ تلك التطورات التي عبّر عنها في تصريحه الأخير في تحقيق بعض التقدّم، إلا أنّها لن تكون كافية لأجل معالجة الأسباب الحقيقية للأزمة التي نواجهها جميعاً. وهنا نطرح أمامه الأسئلة المتعلقة بتلك الأسباب: ماذا قامتْ به وزارة الإسكان حتى تاريخه على مستوى فرْض الرسوم والغرامات على محتكري الأراضي، التي سبق أنْ أعلنها سابقاً في أكثر من مقام؟ ماذا قامتْ به الوزارة على مستوى نزْع ملكيات الأراضي الشاسعة المساحات وسط المدن، التي أدّى تعطيلها عن التطوير والبناء إلى ما نحن عليه من أزمةٍ أعيتْ بصداعها الكبير والصغير في بلادنا؟ كل ما قامتْ به وزارة الإسكان حتى الآن لم يتعدَّ معالجة "طفوح" الأزمة، فيما لم يرَ أحد منها حتى تاريخه أيّ قرارٍ يلمس أو يعالج أساس الداء، ممثلاً في احتكار واكتناز الأراضي وعضلها عن التطوير والبناء. الحديث هنا هو لتذكيرها بما سبق أن صرّح به وزيرها سابقاً من وعودٍ قاطعة، وأنْ تجاهل تنفيذ تلك الوعود الرسميّة، لا نتيجة أخرى له سوى مزيدٍ من ارتفاع الأسعار، وزيادة في تعقّد الأزمة العقارية والإسكانية أكثر مما هي عليه الآن! أتى التصريح الثالث في الأهمية من نائب وزير العمل، ذاكراً تضاعف عدد السعوديين في القطاع الخاص من 700 ألف سعودي إلى 1.5 مليون سعودي، وارتفاع توظيف المرأة من 50 ألف عاملة إلى 400 ألف عاملة، وارتفاع معدّل التوظيف منذ الحملة التصحيحية من أكثر من 35 ألف وظيفة شهرياً، إلى 65 ألف وظيفة تقريباً، وتوفير 240 ألف وظيفة خلال الفترة التصحيحية، تم إشغالها بمواطنين ومواطنات. طبعاً التعليق على ما تحتويه أعماق تلك التطورات، من زيادةٍ اعترفتْ بها وزارة العمل قبل غيرها حول التوظيف الوهمي، ومناقشة مجلس الشورى لها حول هذا الملف الشائك، وزيادة في الاستقدام وتوظيف العمالة الوافدة غير الماهرة، نتج عنها استمرار وتيرة التحويلات المالية للخارج، وغيرها من مواطن التعثّر التي غلبتْ على برامج التوطين المدشنة من وزارة العمل، كان آخر "دعم" أي مواطن يبقى في وظيفته عامين بـ 24 ألف ريال، ليست إلا دليلاً على ما تعانيه تلك البرامج من هشاشةٍ في صلب عظامها! إنّه بالتحديد ما سبق تنبيه الوزارة إليه منذ نهاية 2010؛ أنّ المعضلة الرئيسة التي تعانيها سوق العمل المحلية مرتبطة تماماً بالتشوهات التي يعانيها الاقتصاد الوطني، فهي لم توفر الفرص الوظيفية المناسبة للباحثين عنها من المواطنين والمواطنات، كون الاقتصاد وتحديداً القطاع الخاص في الأصل قائما في أغلبه على عقود المناقصات الحكومية والاستيراد بالجملة من الخارج والبيع بالتجزئة في الداخل، وهي النشاطات التي لا تتطلب أكثر من الشهادة الابتدائية فما دون، ودخلها لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال شهرياً، وما قامتْ به تلك البرامج لم يتعدّ اعترافها بتلك الوظائف الناتجة عن تشوهاتٍ في هيكل القطاع الخاص، في المقابل لم يوجد تكاتفٍ أكبر من لدن بقية الأجهزة الاقتصادية والمالية في البلاد لأجل توفير المشروعات الإنتاجية المعززة لتنويع الاقتصاد، وبدورها توفر فرصاً حقيقية ومنتجة للعمل تناسب مخرجات التعليم لدينا. بالنسبة لبقية التصريحات، فلا جديد فيها كونها مطابقة تماماً لتصريحات مؤتمرات اليوروموني منذ دورته الأولى حتى دورته الثامنة العام الماضي.
إنشرها