Author

التعنت الإداري والعقول المتحجرة !

|
قضية التعنت الإداري منتشرة في القطاعات العامة والخاصة، ويعاني منها كثير من الموظفين على اختلاف درجاتهم، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى تعنت المسؤول الإداري في طريقة تنفيذ المشاريع وليس فقط في اللوائح والأنظمة الإدارية، وتلك طامة أكبر حيث أنه يفتي في غير فنه !. فهل التعنت الإداري في القرارات هي أمور نفسية بحتة ويصفونها مجازا بالعُقد!، أو أن المسؤول لا يعلم تبعات قراراته ومواقفه لأنه ببساطة لا يملك الخبرة في المجال الذي عين فيه. لعل الأسباب متعددة ولكل قضية إدارية تشعباتها ولكن اعتقد أنه هناك بعض من الحلول التي تساعد على التخفيف من حدة وشدة التعنت الإداري. منها تدريب النفس على الاستماع (وكما روي إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم) إلى وجهات النظر المختلفة والمتباينة وخصوصا الخبراء في مجالاتهم، فالاختلاف هو تنوع وإثرا ولكن الخلاف هو شر وشقاق. ولابد من الابتعاد عن فكرة القرار المسبق قبل إدلاء الآخرين، بمعنى ليكن الإداري المسؤول منفتحا صبورا على الأفكار المقترحة. يقول ستفين كوفي صاحب الكتاب المشهور "العادات السبع" معظمنا قضى سنوات وهو يتدرب على القراءة والكتابة والكلام ولكن أقل من 5% منا نالوا تدريبا يزيد عن أسبوعين في الاستماع". فهل يذكر أحد منا أنه أخذ مادة في المدرسة أو الجامعة اسمها فن الاستماع ؟!. ومنها أن يستفسر المسؤول عن الأمور التي لا يعلمها وليس في ذلك عيب أو خجل بل تلك تعبر عن واقعية وتواضع ، فالإنسان يظل يتعلم مهما بلغ منزلته من منصب إداري أو أكاديمي، يقول بيتر دركر الملقب بأبو الإدارة الحديثة "ليس الكمال خصلة تمنح للإنسان، وهي ليست من صفات الشركة". وإضافة إلى ما ذكر من الحلول هناك مسألة مهمة جدا هي المرونة في تغيير وتعديل القرارات حسب المعطيات الجديدة، وعدم التحسس من تغيير الرأي سواء كان ذلك في بداية الاجتماع أو نهايته، أو بداية المشروع أو وسطه أو حتى في آخر مراحله، فالرجوع إلى الاصوب خير. ولنا في حادثة تغير الموقع أو المنزل في غزوة بدر خير مثال، فقد استمع الرسول عليه الصلاة والسلام ذو الخلق العظيم إلى أراء الآخرين في أهم موقعة وحادثة في تاريخ الإسلام، فقد قال : أشيروا علي في المنزل، فقال الحباب بن المنذر أريت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟. فقال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال الحباب : فإن هذا ليس بمنزل !. وتم تغيير المنزل أو المكان. ولا أشك للحظة أن الرسول القائد كان يعلم المكان الأفضل والاصوب، ولكنه أراده درسا بليغا واقعيا لمن يأتي بعده، وتلك هي من أهم الصفات ليس فقط للإدارة الناجحة الذكية بل هي من أهم صفات القيادة. بعد كل ما ذكرناه أكيد أن هناك جوانب أخرى يمكن بحثها بشكل مفصل، ولكن من الواضح جدا أنه من شيم كبار النفوس والعقول الاستماع إلى الآخرين، والأخذ بآرائهم وذلك تفعيل لمبدأ الشورى، والذي هو من الأساسيات الأولية للإدارة الناجحة، فالخلاف شر والاختلاف هو تنوع وإيثارا، ولكن في المقابل لست أرى في التعنت الإداري أي مسوغ إلا ضيق الأفق، وعقل متحجر، ولن أكون أبعدت حين أصف التعنت الإداري بهوى النفس !.
إنشرها