default Author

متعقّبو الأمراض (1)

|
من أهم وأخطر العلوم التي تم تطويرها والعمل بها حتى الآن، وبواسطته نتتبع ونستنتج العلاقة بين الميكروبات وسلالاتها ومنشئها، تم استخدامه من عهد قريب بعد انتشار عديد من الأمراض المعدية دون معرفة مصدرها أو الناقل الأساسي لها، مثل مرض الإيدز والجمرة الخبيثة والإنفلونزا، ويتم استخدامه في التحقيقات الجنائية والمدنية والدفاع البيولوجي! فبرغم التحور والتطور السريع الذي لا يصدق للفيروسات، تمكن العلماء من استخدامه في دراسة تسلسل عيّنات الفيروسات المأخوذة من أفراد مختلفين، ومقارنة جينوماتها وتتبّع تطورها ووضعها على شجرة عائلة، يقول أوليفر بايبَس الذي يدرس التطوّر والأمراض المعدية في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة: "إن ما نقوم به هو تحديد أنساب الفيروس". ومن أهم القضايا التي استخدم فيها هذا العلم الكشف عن مصدر انتشار فيروس التهاب الكبد الوبائي وإصابة أكثر من 275 شخصا ووفاة أربعة منهم عام 2009، فبعد دراسة سجلات 66 ألف مريض كان الرابط بينهم إجراءهم عمليات بسيطة في مستشفيات فالنسيا الإسبانية، وجدوا العامل المشترك بين هؤلاء المرضى مرورهم على خوان مايسو اختصاصي التخدير، الذي عاش حياة محترمة في تلك البلدة، إلى أن تم اكتشاف سره الخطير وحكم عليه بالسجن لمدة 1933 سنة، فقد كان يستولي على جزء من جرعات المورفين المخصصة لمرضاه، ويحقن نفسه بها ومن ثم يستخدم الإبرة نفسها لإعطاء المرضى جرعاتهم، وبهذه الطريقة نقل إليهم الفيروس. ورغم ادعائه البراءة، وأن مريضا نقل له العدوى، إلا أن الدليل العلمي الذي يثبت إدانته نشر العام الماضي، وعمل عليه مجموعة من العلماء بقيادة فرناندو كانديلاس، حيث قاموا بتحليل وتصنيف 4200 تسلسل فيروسي لتتبع المسار الذي اتبعته العدوى. ودعم هذا الدليل بدليل آخر وهو إمكانية تحديد وقت الإصابة من معدل طفرة الفيروسات وارتباطها بأحداث أو أشخاص معينين وتعرف بـ "الساعة الجزيئية"، وكان ما يقرب من ثلثي التواريخ التقديرية للعدوى يتماشى مع الوقت الذي زار فيه المرضى مستشفيات فالنسيا! وهذا العلم فتح الباب لمعرفة كثير من جرائم نشر الفيروسات، مثلما حدث عام 2009، حين تتبع العلماء المنشأ المحتمل للهيروين المخلوط بفيروس الجمرة الخبيثة، الذي أودى بحياة مستخدميه في جميع أنحاء أوروبا. وقضية ريتشارد شميت الذي أُدين عام 1998 بعدما حقن صديقته السابقة بدم ملوث بفيروس الإيدز وفيروس التهاب الكبد سي، موهمًا إياها بأنه يحقنها بالفيتامين B12. وللحديث بقية.
إنشرها