Author

«كورونا» نموذجا لغياب النظرة إلى الإنسان بدلا من المريض

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
باختصار، كورونــــــــــــا نموذج لغياب السياسات الصحية الواضحة. فمثلا لم يكن هناك تعاون بين وزارة الصحة وكل الجهات الصحية الأخرى في كيفية التعامل مع فيروس كورونا، مما يدل على غياب النظام الصحي التكاملي. فوسائل الإعلام المختلفة وافتنا بالعديد من التقارير التي حذر فيها مسؤولون في القطاع الصحي الخاص والقطاعات الصحية الأخرى من استقبال الحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا. ولعل تقرير "الواشنطن بوست" الأخير حول فيروس كورونا كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث كشف المستور حول فيروس كورونا، وضعف التعامل معه من قبل وزارة الصحة. طريقة التعامل مع فيروس كورونا انعكاس حقيقي لمحدودية نظرة وزارة الصحة، وكأنها وزارة تدير مستشفيات فقط، لا وزارة مسؤولة عن بناء نظام صحي متكامل، يكفل حصول المواطن على الرعاية الصحية التي يستحقها. فوزارة الصحة ركزت على مركزية الفحص الطبي بدلا من أن تركز على وضع سياسة صحية واضحة للتعامل مع الفيروس متفق عليها من قبل جميع الجهات الصحية المختلفة. لا شك في أن الشفافية التي تبناها وزير الصحة المكلف المهندس عادل فقيه بما في ذلك تحيد مراكز محددة لاستقبال الحالات في كل من الرياض وجدة والدمام تعتبر بداية موفقة للتعامل مع فيروس كورونا، لكن لعل أن يتبعها خطوات تتمثل في تحديد غرف عمليات موحدة بين كل القطاعات الصحية، تضمن تكامل التعامل الطبي مع هذا الفيروس من كل القطاعات الصحية الحكومية والخاصة. لعل غياب آلية محددة في التعامل مع فيروس كورونا يكشف الحاجة إلى أهمية وجود نظام صحي تكاملي يضمن حصول الإنسان بما في ذلك المواطن- وليس المريض فقط- على الرعاية الصحية بشكل عام. الدكتور عبد الله الربيعة رجل نزيه، وجراح ماهر لا يختلف في ذلك أحد، بل إنه رجل وطني بامتياز، لكن إدارته لوزارة الصحة كانت من داخل العيادة كطبيب متميز، وليس كمسؤول عن توفير الرعاية الصحية لكل الناس. فتشييد المستشفيات، وتوافر الأسِرَّة هما إحدى القنوات لضمان توفير الرعاية الصحية، لكن ليست قطعا القناة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف، كما أشرت إلى ذلك في أكثر من مقال، ولعل آخر ما كتبته قبل قرابة ثلاثة أشهر في هذه الجريدة بعنوان "إصلاحات مطلوبة من وزارة الصحة لحين الانتهاء من مشاريعها". من المؤسف أن الاستراتيجية الصحية لوزارة الصحة الأخيرة الصادرة قبل بضع سنين تشعر قارئها بأنها استراتيجية مستشفيات، وليست استراتيجية وزارة تهتم بصحة الإنسان، وليس فقط المريض الموجود داخل أروقة المستشفيات. وقد سبق أن كتبت ثلاث مقالات انتقدت فيها الاستراتيجية الصحية لوزارة الصحة، كانت بعناوين "استراتيجية وزارة الصحة هل هي استراتيجية وزارة أم مستشفيات؟"، و"استراتيجية وزارة الصحة وتحقيق العدالة"، ومقال ثالث بعنوان "الميزانيات الصحية الضخمة كيف نعكس آثارها"؟ (انظر لأعداد جريدة الاقتصادية 6749، 6761، 7029 وتاريخ 3-4-2012 و15-4-2012، 08-1-2012). ملخص تلك المقالات أن على وزارة الصحة النظر للرعاية الصحية ليس فقط من داخل المستشفيات ومحاولة تطويرها، وإنما عليها النظر للإنسان- مواطنا كان أم مقيما- وكيفية ضمان حصوله على الرعاية التي يستحقها وفق مخرجات محددة. النظرة من داخل أروقة المستشفى هي رؤية الطبيب المعالج، بينما النظرة للإنسان كمحور أساسي للرعاية الصحة هي رؤية المتخصص في السياسات الصحية. فنظرة الطبيب مهمة في كيفية توفير العلاج الطبي، لكن ليس بالضرورة توفير الرعاية الصحية المتكاملة. ومما قلته أيضا "إن وجود جهة ذات صلاحيات موسعة تعنى بوضع السياسات والأنظمة وطرق التمويل ليست ظاهرة مقصورة فقط على الدول المتقدمة عالية الدخل، بل إن دولا محدودة الدخل كتايلاند توجد فيها مثل هذه الإدارة، وتلعب دورا حيويا في رسم السياسات الصحية لتايلاند، بل إن دولة فقيرة كتايلاند استطاعت أن تضع لها خططا استراتيجية ''حقيقية'' تهدف إلى وصول الخدمات الصحية لكل المواطنين التايلانديين على الرغم من محدودية موارد البلد المالية كما هو معلوم. لكن القرارات التي تصدر من قبل وزارة الصحة التايلاندية قرارات مرجعها المتخصصون في السياسات والأنظمة الصحية لا الممارسون الصحيون الذين لا يعون أبجديات النظم الصحية وطرق تمويلها". وللحديث بقية
إنشرها