Author

عقل النصف متر

|
"رب عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه". الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه - وفي الدعاء المأثور "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع". هنا .. نسق فريد من تخفي الجهل القاتل خلف المعرفة الضالة، أو العلم الناقص، الذي لا يهتدي إلى سبيله .. ولا ينتهي إلى خيره. في البدء ينبغي أن نعرف أن أكثر الصور التي يرتدي فيها الجهل عباءة العلم هي في -قلة العقل- مع -كثرة المعلومات-! يكون فيه عقل المرء أصغر بكثير من علمه! ساعة إذ يعرف كل شيء .. ولا يفهم شيئا مما حوله، ولا يفهم كيف يفهمه؟ ومن السهولة جدا أن يكون في نهاية المطاف "الضمير المخدوع"، وهو العقل الذي سقط صاحبه في غواية من حوله. لأن أول صفة من صفات "العقل الصغير" .. هو سهولة التأثير فيه، سهولة قيادة قناعاته، وسهولة تكوين هذه القناعات لديه، وأسهل منه، التصديق الذي لا يمحص إثبات مقدماته ولا دليله. إنه يقفز مباشرة إلى النتيجة العاطفية التي يتم تركيبها وصناعتها لقيادة العقل الصغير إلى المكان الذي يريده الساسة، أو قابض المال في غواية وتضليل وتزييف الواقع. وتحريف الكلم عن مواضعه. النصف متر هذا .. ربما لا يعبر عنه حامل شهادة علمية رفيعة! ويعيش بالنصف متر هذا في ضعفه وعجزه وقلة حيلته في الرؤية والحل وتغير حياته وما حوله. وفي المقابل يكون هناك عقول هي أكبر من علمها، ورغم ضعف العلم وقلة المعلومات، إلا أن العقل والإدراك والفهم يمتد طولا وعرضا وعمقا، ويغير كل شيء كما يجب، ويقود ضميره وبصيرته إلى حيث يريد، ويعجز أي أحد من أن يلف حبلا حول عنقه لجره إلى أماكن لا يريدها. ولا تنتهي إلى خير دنياه وآخرته. عقل النصف متر ..! كما هو عند الفرد، يتجلى بشكل أعمق وأوضح عند "العقل الجمعي". حين تجد شارعا يُرصف بالزفت بتكلفة ملايين، ثم يٌعاد شقه وحفره، بترتيب معكوس، وعقل مقلوب، وطبيعة غير سوية للأمور والفهم، نفهم حين إذ أن القائمين على هذا السلوك هم -عقل النصف متر-! متعلمون نعم، مهندسون أحيانا أو ربما! ولكن في الأخير الناتج الذي حصلت عليه الدولة والمجتمع حصاد إدارتهم هو -نصف متر- من الفهم ومن النجاح ومن الممارسة العاقلة والرشيدة للإدارة والنتائج التي يفترض أن تكون طبيعية وعاقلة لو تم العقل ولو قدر له أن يتمم نقصه، ويمتدد عمقه. - حين يتم سحب بضائع كثيرة من الأسواق .. وهي بين فاسدة وبين رديئة، وبين مزيفة! بعد أن يُسمح لها بالعبور والجلوس على أرفف متاجر التجزئة، وبعد أن يكون عدد من المواطنين ضحايا لها .. هذا عقل مقلوب، وتقديم ما يجب تأخيره، وتأخير ما يجب تقديمه! وخلاف طبيعة الأشياء ويشي بالنصف متر .. للعقل الذي نعنيه! بعد 1400 سنة وما زال العقل العربي -صاحب النصف متر- يستعمل كأداة عمياء لا تبصر ولا ترى لحروب الساسة، باسم الله والإسلام، والجهاد الذي تتحرك بوصلته بحسب قوة مغناطيس المال، أكثر منه الضمير والحق ونصرة قضايا العدل. هذه طبيعة عقلية ومجتمعية قاسية جدا .. وستقتص من حاضرنا بخسارته تماما .. ومن مستقبلنا بالتيه عنه والعجز عن إدراك الخير فيه. وستجعلنا جميعا في عجز تام عن الفعل وعن الانفعال الإيجابي. كالمرعى الوبيل، وكثرة كغثاء السيل يفسد كل شيء ولا يروي عطشا.
إنشرها