Author

ما التحديات الاقتصادية التي نواجهها اليوم؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
ما أبرز التحديات التي يواجهها اقتصادنا الوطني في الوقت الراهن؟ وكيف يمكن التصدّي لها والعمل على تجاوزها، وفق ما هو متوافر من إمكانات متاحة لدينا من موارد مالية وكوادر بشرية؟ ما العلاقة بين تلك التحديات، وكيف يُغذّي بعضها بعضاً؟ وهل يعني التركيز على حلِّ ومعالجة قضيةٍ أو أزمةٍ اقتصادية ما، أنّه سيؤدي بالتالي إلى معالجة ما ترتّب عليها من آثارٍ سلبية أفضتْ إلى نشوء بقية التحديات الاقتصادية الأخرى؟ كم يتوقع أنْ يستغرق من الزمن، معالجة تلك القضايا والتحديات، هل هو عام؟ أمْ عشرة أعوام؟ هل هو أكثر زمناً أم أقل؟ وكم تبلغ التكلفة الإجمالية لتلك الإصلاحات الاقتصادية اللازم القيام بها لمواجهة وتجاوز تلك الأزمات والتحديات الجسيمة؟ مع الأخذ في الاعتبار أنّ خيارات الإصلاح الاقتصادي الممكنة، كما أنّها تتفاوت في وسائلها وأدواتها وطرقها وسياساتها، فإنّها أيضاً تتفاوت في أثمانها وتكاليفها والآثار المحتملة بناءً على كل خيارٍ من تلك الخيارات. أخيراً وليس آخراً؛ أيهما أكبر تكلفة على الاقتصاد الوطني والمجتمع، تكلفة خيار: أنْ تبقى الأمور تمضي على نحوها الراهن، فقد تتعالج تلك التحديات مستقبلاً من تلقاء نفسها؟ أمْ تكلفة خيار: العمل بمنهجيةٍ جديدة تستهدف بصورةٍ مباشرة القضاء على تلك التحديات أو التشوهات القائمة؟ إنّها أسئلة الساعة التي يجب أنْ تكون مكتوبةً بصورةٍ أكثر تفصيلاً على مكاتب صانعي القرار في الجهاز الحكومي، يشاركهم فيها صانعو القرار في كُبرى منشآت القطاع الخاص. علماً بأنّه كلّما اتسعتْ دائرة الأسئلة كلّما اتسعتْ دائرة التحديات الاقتصادية، فما قد يكون بمثابة أزمة أو مشكلة اقتصادية لدى البعض، قد يكون ما يقلق أطرافاً أخرى سواءً من أفراد المجتمع أو منشآت القطاع الخاص مشكلات أخرى تختلف تماماً عن مشكلات غيرهم، بل قد تفاجأ أنّ مشكلات وتحديات بعض شرائح المجتمع، هي "فرص" لتحقيق أعلى درجات المكاسب المالية لدى أطراف أخرى من المجتمع! وأقرب مثال على هذه الحالة، ما نواجهه من أزماتٍ في السوق العقارية. حسناً، ما الهدف من كل هذا؟ أثبتتْ النظرية والتجربة، أنّ تحديد المشكلة وتوصيفها الدقيق يمثّل 50 في المائة من الحل، وأنّ ما سيليه من إجراءات وقرارات وتطبيقٍ لها لأجل المعالجة هو الجزء المتمم للقضاء على تلك المشكلة. بناءً عليه؛ تقتضي الحالة العامّة لمواجهة تلك المشكلات والتحديات والأزمات، أنْ يتوافر عدد من السمات الشخصية لدى من سيأخذ على عاتقه مهمة اكتشافها وتشخيصها ومعالجتها، لعل من أبرز تلك السمات وأهمها؛ أنْ يتحلّى بسعة الأفق العلمي والفكري، والخبرة العملية الكافية المدعومة بالعلم والتدريب، والصبر المقترن بالحلم وعدم التسرّع وتقبّل مختلف الآراء، والحزم والجدية والدقّة في العمل بدرجةٍ كافية حال اتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها خطوةً بخطوة. نواجه اليوم تحدياتٍ جسيمة في العديد من جوانب حياتنا، استمدّتْ وجودها من عددٍ من الاختلالات الجاثمة في مختلف الهياكل والأنظمة والسياسات، منها ما هو آتٍ من الجانب الحكومي التنظيمي ومنها ما هو آتٍ من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية. لكي تنجح أية جهود لتجاوز تلك التحديات، لا بد أنْ تبدأ من تلك الاختلالات في مصادرها الرئيسة، لا أنْ تُخدع بالبدء من الظواهر أو النتائج التي أفرزها وجود تلك الاختلالات! وأنّ الوقوع في "فخ" البدء من النقطة الأخيرة، لنْ ينتج عنه إلا هدر في الأموال والجهود، والدخول من ثم في حلقةٍ مفرغة من العمل المشتت تماماً، لن يُجنى من ورائه إلا تفاقم في حجم تلك التحديات وآثارها السلبية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أخطر ما قد يُبقي المرء أسيراً "لورطة هذه الحلقة المفرغة" دون أنْ يشعر بها، وهو أنْ تظهر له من وقتٍ لآخر بعض النتائج الإيجابية أو التحسينات في الأداء، سرعان ما تختفي آثارها في مراحل لاحقة دون شعورٍ منه! ليبقى أسيراً لهذه الحلقة المفرغة تحت تأثير تلك النتائج اللحظية، في الوقت الذي لم يشعر به أنّ مفعولها السريع والسحري قد ذهب أدراج الرياح. إننا على خطِّ مواجهةٍ مباشرة مع العديد من التحدّيات الاقتصادية الجسيمة، من أهمّ تلك التحديات التي يمكن سردها على سبيل المثال لا الحصْر هنا باختصارٍ، على أنْ يعود الكاتب إلى تناولها بصورةٍ أوسع حصراً وأكثر تفصيلاً في مقالاتٍ قادمة -بإذن الله تعالى-، مع الإشارة إلى أنّه سبق للكاتب التطرّق إليها، ولكن لأهمية التركيز عليها، ولعدم حدوث أية مستجدات على طريق حلّها، إضافةً إلى ظهور آثار تدل على تفاقم حجمها ومخاطرها، فلا بد من استمرار الجهد اللازم تجاهها وفق تلك المعطيات. تتلخّص أهم تلك التحديات فيما يلي: (1) تحديات السوق العقارية، وما تسببت فيه من أزمةٍ إسكانية لمختلف أفراد المجتمع بصورةٍ واسعة النطاق، استعصى معها تحقق إمكانية تملّك الفرد وأسرته لمسكنه الخاص، أتى المصدر الرئيس لتلك الأزمة من تفاقم احتكار الأراضي والوحدات العقارية، وعدم وجود ما يحدّ بأي صورةٍ كانتْ من مغذّيات ذلك الاحتكار، في الوقت الذي شهدنا فيه تحاشر الجهود والأموال عند "نتائج" الأزمة العقارية لا "أسبابها الحقيقة". (2) تحديات سوق العمل، التي تشكّل واحدةً من أكبر التحديات والتشوهات في وجه الباحثين والباحثات عن فرص عملٍ كريمة، وتّشكّل فئة الشباب الأكبر حجماً بين مختلف فئات المجتمع الضحية الأكبر لتلك التحديات. على الرغم من كل ما تم بذله من جهود وأموال طائلة على هذا الطريق، إلا أنّ التحديات تتفاقم زمناً بعد زمن، وما ذلك إلا لتركّز تلك الجهود والأموال على "سطح" الأزمة دون الغوص في أعماق أسبابها، ما أدّى إلى أن استغرقت وزارة العمل منفردةً كل ما لديها من جهود وموارد تجاه تلك النتائج السطحية للأزمة، في حين أن المواجهة الجادة للأسباب الحقيقية لأزمة سوق العمل المحلية، تقتضي وقوف عددٍ أكبر من الجهات الأخرى المعنيّة بهذه الأزمة بجانب وزارة العمل، في مقدّمتها وزارات المالية والتجارة والصناعة والاقتصاد والتخطيط. (3) تأخّر درجة تقدّم تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ أوّل آثار هذا التأخّر ما نشهده اليوم من تفاقمٍ للتحديات في السوق العقارية وسوق العمل، فالأولى "السوق العقارية" تضخّمتْ بتخزين الثروات فيها نتيجة تقلّص دعم استغلال الفرص الاستثمارية المحلية بصورةٍ جاذبة ومحفزّة، والثانية "سوق العمل" لم تستطع إيجاد فرص العمل المثلى وجيدة الدخل، نتيجة عدم وجود المشاريع الإنتاجية المتنوعة، لهذا لم يبرز على السطح سوى المنشآت التي تعتمد بصورةٍ أكبر على عقود المناقصات الحكومية، والاستيراد بالجملة من الخارج والبيع بالتجزئة في الداخل، وكلا النشاطين لا يتطلبان إيجاد وظائف تتجاوز مؤهلاتها أكثر من الشهادة الابتدائية فما دون. وأستكمل الحديث في المقال القادم.
إنشرها