Author

شفافية الصناديق السيادية السعودية

|
في البداية لا بد من التأكيد على أن إدارة الأصول السيادية لها انعكاسات جوهرية في كيفية تلبية احتياجات التنمية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتقاسم الثروة عبر الأجيال. وبالتالي، فإن أطر المساءلة والرقابة أمر في بالغ الأهمية من أجل تعزيز الثقة والشرعية على الصعيدين الوطني والدولي. من أجل ذلك، دأب العديد من الحكومات التي لديها صناديق ثروة سيادية على التواصل والتشاور مع أصحاب المصلحة (مثل المنظمات غير الحكومية، والبرلمان، وعامة الجمهور، والأسواق المالية ... إلخ) من خلال تبني أنشطة توعية لشرح كيفية اتخاذ القرارات الاستثمارية الرئيسة وكذلك مبادئ إدارة الأصول السيادية وعلاقتها مع إطار السياسة الاقتصادية الكلية. إن الأوعية الاستثمارية السيادية التابعة لوزارة المالية التي يمكن تقديرها على الأقل في حدود 1900 مليار ريال (260 مليارا لصندوق الاستثمارات العامة بنهاية عام 1432هـ، 20 مليارا لشركة سنابل للاستثمار، 1600 مليار لدى ساما بحسب تصريح وزير المالية عقب صدور ميزانية هذا العام)، يجعل إصدار التقارير الدورية وزيادة مستوى الشفافية عناصر مهمة في تعزيز أطر الحوكمة وتحقيق الأهداف الاقتصادية المنشودة من إنشاء هذه الصناديق السيادية. لذا قبل الخوض في مستوى شفافية صناديقنا السيادية، لا بد من ذكر وتوضيح بعض المبادئ الرئيسة عن الشفافية، بغض النظر عن الأطر القانونية المختلفة لهذه الأوعية الاستثمارية. من المفيد التمييز هنا بين الإجراءات المتبعة والخاصة بالتقارير الخارجية والداخلية: (١1) التقارير الخارجية يتم نشرها للجمهور من أجل الحفاظ على شرعية صناديق الثروة السيادية وتوضيح التناسق الاقتصادي والمالي مع إطار السياسة الاقتصادية الكلية. (2) من جهة أخرى، التقارير الداخلية جزء من الهيكل التنظيمي للصندوق السيادي وتتطلب وجود أسس راسخة للشفافية وتدفق المعلومات بين الموكل (في هذه الحالة وزارة المالية) والوكيل (سواء كانت ساما، أو صندوق الاستثمارات العامة، أو شركة سنابل للاستثمار)، بما فيها الضوابط الخاصة بإدارة الاستثمار وإدارة المخاطر. إن تثقيف الجمهور العام عن خصائص استراتيجيات الاستثمار والمخاطر لكل من هذه الصناديق السيادية الثلاثة يجعلهم أكثر وعياً بهذه الاستراتيجيات والفروقات بينها وبالأخص عند حدوث تقلبات حادة في الأسواق المالية العالمية (بما فيها أسواق النفط). لتوضيح ذلك، نذكر طريقة تعامل "ساما" والصندوق السيادي النرويجي مع الأزمة المالية العالمية في عام 2008: - كانت ردة الفعل الرسمية لـ "ساما" مجرد التصريح فقط بأن الاستثمارات الخارجية آمنة وتدار بشكل حصيف. - في حالة النرويج، فقد انخفضت محفظتها الاستثمارية 23٫3 في المائة (في حدود 103 مليارات دولار)، لكن تم تعويض هذه الخسائر في عام 2009 من خلال تحقيق عائد 25٫6 في المائة بفضل تعافي الأسواق المالية العالمية. بالطبع، لم يتصرف القائمون على إدارة الصندوق السيادي بشكل أحادي بتغير الاستراتيجية الاستثمارية نظراً لتقلبات الأسواق الخارجية بسبب أن البرلمان في عام 2007 وافق على تغير السلة الاستثمارية (من 60 في المائة سندات و٤٠ في المائة أسهم إلى 60 في المائة أسهم و٣٥ في المائة سندات و٥ في المائة عقارات) وتمثل هذه رغبة الشعب (الممثل في البرلمان) لأنها تحقق الأهداف الاقتصادية طويلة المدى للاقتصاد النرويجي من خلال الإدارة الفاعلة للإيرادات النفطية. ربما تكون النتائج النهائية متقاربة في كلتا الحالتين، لكن الفارق في كيفية التفاعل مع أصحاب المصلحة وهم المواطنون وتقديم المعلومات الكافية لهذه الأصول السيادية في الوقت المناسب من أجل توفير الاطمئنان لكل شرائح المجتمع بخصوص الاستراتيجية الاستثمارية الأنسب. خلاصة القول، من الضرورة أن تكون هناك ترتيبات للشفافية من أجل تعزيز الثقة بالصناديق السيادية من خلال نشر التقارير الدورية والندوات التثقيفية للجمهور العام، والانخراط بشكل أكثر مع وسائل الإعلام، وبالأخص تحديث المواقع الإلكترونية ببعض المعلومات عن أنشطتها الاستثمارية والإدارية. المقال اللاحق سيتطرق بالتفصيل لمستوى شفافية الصناديق السيادية السعودية ومقارنتها بنظيراتها من الدول الأخرى.
إنشرها