Author

استقرار أسعار النفط يخفي تغييرات جوهرية

|
على مدى السنوات الثلاث الماضية بقيت أسعار النفط العالمية مستقرة بصورة غير مسبوقة. جزء كبير من استقرار أسعار النفط على مدى السنوات الثلاث الماضية يعود إلى وجود طاقات إنتاجية احتياطية لدى دول منظمة أوبك، خصوصا لدى المملكة، تبلغ هذه الطاقات حاليا 3.5 إلى أربعة ملايين برميل في اليوم. على ما يبدو أن الأسواق العالمية واثقة تماما بأن المنظمة ستستخدم هذه الطاقات عند الحاجة إلى حماية استقرار أسعار النفط عند مستويات معينة. في الربع الأول من العام بلغ متوسط أسعار خام بحر الشمال برنت ما يقرب من 108 دولارات للبرميل، هذا أقل قليلا من المتوسط لعام 2013. على ما يبدو أن انقطاعات الإنتاج الليبية، تقلب المؤشرات الاقتصادية والأزمة الأوكرانية لم تدفع أسعار النفط للخروج من هذا النطاق. لكن هذا الاستقرار في الأسعار يخفي بين طياته تغييرات جوهرية في أسواق النفط الفعلية. أولا، إن ميلان أسعار خام برنت نحو حالة "الكونتانجو" Contango، أي أن الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، يعني أن أسواق النفط مزودة جيدا بالإمدادات النفطية، على الرغم من أن منحنى الأسعار المستقبلية من الشهر الثاني صعودا هي في حالة التراجع Backwardation، أي أن أسعار الشهر الفوري أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة. إن ارتفاع إمدادات النفط الخام الحلو في أسواق حوض الأطلسي ضيقت الفجوة بين أسعار الخامات الحلوة والحامضية في أسواق الشرق الأوسط وآسيا، ما جعل عملية شحن الفائض من الخامات الحلوة أكثر جاذبية. إن فائض الخامات الحلوة كان كبيرا جدا في بداية الشهر الحالي، حيث إن نيجيريا وأنغولا يسعيان جاهدين لبيع نفطهما. إن استقرار الأسعار يخفي أيضا أول تخفيض في إنتاج النفط من المملكة منذ فترة. إن خفض الإنتاج ساعد على الحفاظ على التوازن في الأسواق وأبقى خام دبي الحامضي (النفط المرجعي لآسيا) في حالة التراجع Backwardation. لكن، في الولايات المتحدة بقى خام غرب تكساس الوسيط قويا نسبيا بصورة رئيسة بسبب تقلبات الخدمات اللوجستية. إن أسواق الخام الفورية في حوض الأطلسي تواجه احتمالية تدفق المزيد من إمدادات النفط الحلو، خاصة إذا ما عاد إنتاج النفط الليبي بقوة. من المتوقع أن يشهد نيسان (أبريل) الحالي فائضا في إمدادات الخام الحلو المتجهة إلى آسيا. كما أن ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام الحلو عوض تقريبا، على الأقل حتى الآن، عن جميع وارداتها من النفط الخام الحلو، الجزء الأكبر من إفريقيا، وبصورة خاصة من نيجيريا، التي وجدت سوقا بديلة لنفطها في أسواق أوروبا عندما انهار الإنتاج الليبي في ظل الاضطرابات الداخلية. إذا ما تمكنت ليبيا من تصدير المزيد من النفط الخام، يجب على نيجيريا إعادة توجيه نفطها مرة أخرى وتعزيز مكانتها في آسيا. في هذه الحالة قد تصبح حالة "الكونتانجو" Contango السمة الدائمة في أسواق برنت إذا ما حسم بصورة نهائية عودة ليبيا بقوة لأسواق النفط، وإذا لم يتم تصعيد الأزمة الأوكرانية إلى مستويات بحيث يعتبر موضوع توفير إمدادات الطاقة قضية ملحة. إن حركة تداول النفط في الأسواق الآسيوية تهيمن عليها الصيانة الدورية للمصافي، التي عادة ما تبلغ ذروتها في حزيران (يونيو). يحاول العراق جاهدا بيع المزيد من خام البصرة الخفيف في أسواق آسيا، لتسهيل ذلك يقوم بإعطاء بعض الخصومات الطفيفة. من جانبها قالت إيران إنها تبيع المزيد من نفطها في الأسواق العالمية، لكن البيانات غير متوافرة والتخمينات تشير إلى أن معظم النفط المنتج ينتهي في الخزانات العائمة. في حين أن المملكة توازن إنتاجها بحيث تحافظ على الأسعار إلى آسيا وبما يتماشى مع تطورات الأسواق هناك. من المتوقع أن تشهد أسواق البحر الأبيض المتوسط تغييرات جوهرية أيضا. في الوقت الذي تحاول فيه ليبيا إضافة المزيد من النفط الخام الحلو، لا تزال الأسواق الإقليمية للمتوسطي تعاني شحا في النفط الحامضي المتوسط الكثافة، حيث إن صادرات العراق الشمالية عبر تركيا تعاني توقفات مزمنة في خطوط الأنابيب بسبب أعمال العنف. في المقابل شحنات النفط الروسي في نيسان (أبريل) إلى أسواق المتوسط من المتوقع أن تكون أعلى قليلا من آذار (مارس)، لكنها لا تزال متخلفة عن الطلب وتحسن هوامش التكرير. إن الضعف النسبي لأسعار خام بحر الشمال برنت وقوة أسعار خام غرب تكساس الوسيط، قلص مرة أخرى الفجوة بينهما إلى أقل من أربعة دولارات للبرميل. إن شركات المصافي الأمريكية تعتقد أن خام غرب تكساس الوسيط يجب أن يتداول بخصم سبعة دولارات للبرميل عن خام برنت، ليعكس بصورة صحيحة قيمة كِلا الخامين في أسواق ساحل الخليج في الولايات المتحدة، بما في ذلك أسعار الشحن والاختلاف في المواصفات. لكن الكثير من المحللين يعتقدون أن الفجوة بين الخامين قد تتقلص أكثر قبل أن تتسع مرة أخرى. إن قوة أسعار خام غرب تكساس الوسيط هي نتيجة ربط خط أنابيب جديد يستنزف مخزون منطقة كوشينج في ولاية أوكلاهوما، حيث يتم تسليم وتسعير عقود خام غرب تكساس الوسيط في أسواق نايمكس. إن الفجوة بين الخامين، التي تعتبر من أهم العوامل التي تؤثر في الأسواق المستقبلية، كانت نحو 14 دولارا للبرميل في بداية هذا العام، عندما كانت مخزونات النفط الخام في منطقة كوشينج 40 مليون برميل، والآن هي في حدود 27 مليون برميل. في هذا الجانب، يتساءل الكثير من المتداولين في أسواق نايمكس عن الحكمة في الحفاظ على نقطة تسليم خام غرب تكساس الوسيط في منطقة كوشينج، في حين أن وحدات التخزين الآن تتحول إلى ولاية تكساس. لكن المحللين يشيرون إلى أن خزانات تكساس بعيدة عن الأسواق المثالية، حيث إن عقود التخزين في خزانات تكساس المختلفة تستند إلى شروط مختلفة. إضافة إلى ذلك أن الكثير من مواقع التخزين في تكساس غير مرتبطة بعد. في حين إن مرافق التخزين في كوشينج بطاقة تخزين 70 مليون برميل تعمل على أسس موحدة ومواقع التخزين فيها مرتبطة مع بعضها بالكامل.
إنشرها