Author

ضريبة الكربون ضريبة للطاقة وحل غير منطقي

|
قبل أيام حث رؤساء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة وزراء المالية من مختلف دول العالم على سن تشريعات مالية ضريبية على انبعاثات الكربون وذلك للحد من آثار التغير المناخي. وجاء هذا الحث ضمن أجندة اجتماعات ربع السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي عقدت في مقر المؤسستين الماليتين في واشنطن، وشارك فيها عدد كبير من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من مختلف دول العالم. وتزامنت هذه الدعوة مع الإعلان عن قرب إصدار تقرير "التقويم الخامس" للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي يحذر من التداعيات الوخيمة لاستمرار ارتفاع حرارة مناخ الأرض بسبب تزايد انبعاثات الغازات الدفيئة ومن أهمها غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث يوصي التقرير العالمي الذي تشارك في إعداده فرق كثيرة من العلماء والخبراء من جميع أنحاء العالم، بضرورة التحول من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة. والضريبة الكربونية المقترحة عبارة عن رسوم تفرض على استهلاك الوقود بقدر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وهي بلا شك ضريبة للطاقة تستهدف الوقود الأحفوري وستكون لها، في حال تطبيقها، آثار سلبية في اقتصادات الدول المصدرة للبترول وبرامجها التنموية بسبب تأثيرها المتوقع في انخفاض الطلب العالمي للبترول. وهذه الضريبة تمهد الطريق لاستحداث نظام لتجارة انبعاثات الكربون، التي تتلخص فكرتها في إلزام القطاعات الصناعية التي تعتمد في تشغيل منشآتها على الوقود الأحفوري بألا تتعدى الكميات المنبعثة نسبا محددة، ويتم فرض ضريبة مقابل الانبعاثات التي تطلقها المنشأة بما يزيد على الكمية المسموح بها. ويستدعي هذا الإجراء إقامة نظام تخصيص حصص لتلك الانبعاثات وكذلك مراقبة صارمة ويتم من خلال النظام إصدار تصاريح حصص الانبعاثات وتداولها، ما يسمح أيضا بإنشاء سوق كربونية لتجارة الانبعاثات كتلك الأسواق العاملة في عدد من البلدان الصناعية. وعليه فإن مصطلح تجارة الكربون يقصد به عملية بيع وشراء سلعة صورية يعطى بموجبها الطرف المشتري الحق في إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار محدود، وهي وسيلة غير مباشرة لكبح انبعاثات الكربون من خلال آلية معقدة تعتمد على آليات السوق لتحقيق هذا الهدف. ويزعم مؤيدو هذه الفكرة أن لهذه الوسيلة أثرا بالغا في خفض الغازات الدفيئة علاوة على إمكانية اعتبارها مصدرا تمويليا لتوفير الدعم للدول الفقيرة لمساعدتها على مكافحة الآثار المدمرة للتغير المناخي. إلا أنه يلاحظ على هذه الضريبة تركيزها على غاز ثاني أكسيد الكربون فقط دون بقية الغازات الدفيئة، بينما لا يتضح إلى الآن أثر هذه الإجراءات الضريبية وفاعليتها في تخفيض نسبة انبعاثات الكربون حيث لا يوجد دليل إحصائي على حتمية ارتباط هذه الضريبة بخفض الانبعاثات. وأعلنت أستراليا أخيرا عزمها على إلغاء ضريبة الكربون التي بدأت باستخدامها مند فترة، ما يشير إلى فشل هذه السياسة. كما أوجد الغموض الذي يكتنف تجارة الكربون في عدد من الدول الصناعية توجس لدى الكثيرين حول مضمون وجدوى الضريبة وأهدافها البيئية المزعومة. بل على عكس المتوقع فقد ظهرت بعض الأدلة التي تفيد بزيادة ملحوظة في انبعاثات المشاريع الكبرى التي طبقت هذا النظام في السنوات الأخيرة. إن فكرة تجارة الانبعاثات، وإن بدت وسيلة ممكنة وقابلة للتفعيل على أرض الواقع، إلا أن إجراءات وتضارب تشريعات هذه التجارة بين الدول يعتريها الكثير من الثغرات القانونية التي يعرضها فعليا للاستغلال في أنشطة إجرامية، ما يحول دون تحقيق الأهداف البيئية المأمولة. وتشمل هذه الأنشطة الإجرامية عمليات الاحتيال والسرقة وتزوير الوثائق والفساد والرشوة والتهرب الضريبي وغسل الأموال. وسجلت الدول الصناعية التي تحتضن عددا من أسواق الكربون الكثير من هذه القضايا في تعاملاتها، ولعل من آخر هذه الحوادث ما كشفت عنه تحقيقات الإنتربول منذ أشهر من عمليات غسل أموال طائلة تقوم بها المافيا الإيطالية في مزارع الرياح لتوليد الطاقة. لقد أخفقت ضريبة الكربون وكذلك تجارة الانبعاثات وأثبتت عدم فاعليتها في خفض الانبعاثات الدفيئة أو الحد من آثار التغير المناخي، إضافة إلى وجود خلل هيكلي يصعب إصلاحه وثغرات قانونية لا تزال قائمة. ومع ذلك يؤكد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي جدوى ضريبة الكربون المثيرة للجدل، إنما يشير إصرار المؤسستين الماليتين إلى أن استهداف الوقود الأحفوري بات واضحا، وربما أكثر من أي وقت مضى.
إنشرها