FINANCIAL TIMES

اتحاد أوروبي للطاقة لرفع يد روسيا عن الغاز

اتحاد أوروبي للطاقة لرفع يد روسيا عن الغاز

بغض النظر عن كيفية تطوّر المواجهة بسبب أوكرانيا، هناك درس واحد واضح: الاعتماد المفرط على الطاقة الروسية يجعل أوروبا ضعيفة. فضلا عن أن روسيا لا تبيع مواردها بأسعار رخيصة - على الأقل، ليس للجميع. هذا، بالطبع، يعتبر من أساسيات الاقتصاد. المورّد المهيمن لديه القدرة على رفع الأسعار وخفض العرض، لكن الطريقة بسيطة لتصحيح هذا التشوّه في السوق: على أوروبا مواجهة موقف روسيا الاحتكاري عن طريق هيئة أوروبية واحدة تكون مُكلّفة بشراء الغاز الروسي. بمجرد تحقيق ذلك ينبغي لأوروبا أن تتولى مهمة أطول لكسر الاحتكار الروسي للغاز واستعادة المنافسة الحرة. صحيح أن هذا يتطلب من الحكومات الأوروبية أن تتخذ موقفاً موحداً، لكن مثل هذا الإنجاز الكبير من التنسيق قد تم تحقيقه من قبل. فالاتحاد الأوروبي يعكف الآن على إنشاء اتحاد مصرفي، وهو دعامة لمؤسساته المالية في كل أنحاء أوروبا. وسبق للبلدان الأعضاء الـ 28 في التكتل أن اشتركت معا في شراء اليورانيوم لمحطات الطاقة النووية فيها بواسطة وكالة الطاقة الذرية للاتحاد الأوروبي "يوراتوم". وعليها اتّباع النهج نفسه مع غاز روسيا. لذلك أنا أقترح إنشاء اتحاد للطاقة. وسيعمل هذا الاتحاد على إعادة المشروع الأوروبي لجذوره. لقد قام هيرمان فان رومبوي، رئيس المجلس الأوروبي، بتشبيه مشكلة الطاقة اليوم بالمشاكل التي واجهتها أوروبا قبل 60 عاماً - وهي المشاكل التي أنتجت الجماعة الأوروبية للفحم والصُلب. وسواء كان في الفحم، أو الصُلب، أو اليورانيوم، أو الائتمان، أو الغاز، فالفكرة الرئيسة للاتحاد الأوروبي كانت دائماً جمع أوروبا معاً، وتعميق أمننا ووضع قواعد عادلة تفتقر إليها السوق الحرة. وسيكون اتحاد الطاقة أيضاً، قائماً على التضامن والمصالح الاقتصادية المشتركة. وأقترح أن يتم تأسيسه على ستة مبادئ. أولاً، ينبغي لأوروبا تطوير آلية للاشتراك معاً في التفاوض على عقود الطاقة مع روسيا. وسيتم إنشاء هذه الآلية على مراحل. في البداية سيتم تجريد الاتفاقيات الثنائية من أي شروط سرية تؤدي إلى تشويه السوق، ومن ثم إنشاء عقد أنموذجي يتم استخدامه في جميع عقود الغاز الجديدة، وفي النهاية سيكون على المفوضية الأوروبية القيام بدور في جميع المفاوضات الجديدة. ثانياً، الآليات التي تضمن التضامن بين الدول الأعضاء ينبغي تعزيزها في حال تم قطع إمدادات الطاقة مرة أخرى، كما حدث في فصل الشتاء البارد لعام 2009 عندما أدّى نزاع روسيا السابق مع أوكرانيا إلى إيقاف تدفق الغاز لعدد من دول الاتحاد الأوروبي. كما يجب أن تكون أوروبا مطمئنة إلى أن إمداداتها من الغاز مضمونة، وأن مرافق التخزين لديها كافية، وأن شبكات الغاز فيها غير متقطعة. ثالثاً، ينبغي للاتحاد الأوروبي دعم بناء بنية تحتية كافية للطاقة. اليوم، على الأقل عشر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعتمد على مورّد واحد - جازبروم - لأكثر من نصف استهلاكها. وبعضها يعتمد بالكامل على عملاق الغاز الروسي المملوك للدولة. وفي البلاد التي يكون فيها أمن الإمدادات أضعف، ينبغي بناء قدرة تخزينية وروابط غاز بمساعدة الاتحاد الأوروبي. كما يجب أن تتمتع مثل هذه المشاريع بأعلى مستوى مسموح به من التمويل المشترك من بروكسل - وهو 75 في المائة. رابعاً، على أوروبا الاستفادة الكاملة من الوقود الأحفوري المتاح، بما في ذلك الفحم والغاز الصخري. في دول الاتحاد الأوروبي الشرقية، ومن بينها بولندا، يعتبر الفحم مرادفاً لأمن الطاقة. ويجب عدم إكراه أي دولة على استخراج المعادن، لكن لا ينبغي منع أي منها من القيام بذلك - طالما يتم ذلك بطريقة مستدامة. نحن بحاجة للقتال من أجل كوكب أنظف، لكن يجب أن نحصل على وصول آمن إلى موارد الطاقة ووظائف لتمويلها. خامساً، علينا التواصل مع شركائنا خارج أوروبا. فسوق الغاز العالمية حديثة النشأة. وفي وقت جماعة الفحم والصُلب لم يكُن بالإمكان نقل الغاز عن طريق السفن، أما اليوم وبفضل التطوّر التكنولوجي أصبحنا نملك الأدوات اللازمة لإيجاد سوق أوروبية موحدة. وإبرام اتفاقيات مع مورّدين ناشئين يمكن أن يعمل على تحويل الوضع في سوق الطاقة الأوروبية. وأحد الاحتمالات هو الولايات المتحدة، حيث ارتفع إنتاج الغاز الصخري في الأعوام الأخيرة. وآخر هو أستراليا التي تعتبر نجماً صاعداً في صادرات الغاز الطبيعي المُسال. في عام 2005 قام الاتحاد الأوروبي، جنباً إلى جنب مع ثمانية من جيرانه الشرقيين، بإنشاء "جماعة الطاقة"، وذلك لتوسيع سوق الغاز الأوروبية شرقاً. وينبغي تقوية هذا التجمع، لأن علينا تعزيز أمن الطاقة ليس فقط في الاتحاد الأوروبي ولكن في أوروبا ككل. لقد كانت بولندا في طليعة مثل هذه الحلول. فبلادنا كانت أول من دعى المفوضية الأوروبية إلى المشاركة في مفاوضات الغاز مع روسيا. وفي الأعوام السبعة الماضية، استثمرت بولندا أكثر من ملياري يورو في تحسين قدرتها التخزينية للغاز، وبناء محطة غاز، ووصل شبكة الغاز فيها مع تلك التي في ألمانيا وجمهورية التشيك، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء. إن بذرة الاتحاد الأوروبي تمت زراعتها من خلال رؤية بسيطة: سيطرة مشتركة على إنتاج الصُلب واستخراج الفحم - وحصة مشتركة فيهما. الآن حان الوقت لتعزيز الجماعة في مجال الطاقة. ومع وجود تكنولوجيا جديدة تسمح ببلوغ هذا الهدف، فضلا عن أن التحديات القديمة تدفع باتجاهه، من الصعب أن نتحمل عدم التحرك في هذا الاتجاه. * رئيس وزراء بولندا
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES