أخبار اقتصادية

الأقليات موضع استعراض في طفرة السياحة الصينية

الأقليات موضع استعراض في طفرة السياحة الصينية

يسير السائح الذي ينظر حوله بذهول في موكب بزي يشبه التنين، ويشجع مصارعة الثيران، ويغني الأغاني الشعبية مع القرويين، في جولة تستمر ثلاثة أسابيع على الأعياد التي تحتفل بها الأقليات الإثنية في الصين. هذا الرجل، الذي ركب الطائرة عبر الصين إلى منطقة جويزو في جنوب غرب الصين ليشاهد التقاليد المتنوعة، يمثل جانب المزايا الإيجابية والسلبية لسياحة الأقليات الإثنية في الصين. يقول المسافر، الذي ينتمي إلى عائلة "هي"، إن ثقافتهم أكثر تخلفاً إلى حد ما، لكن حيث إنها متخلفة فإنهم لا يزالون يحتفظون بطابع البساطة، وكان يتحدث عن العادات المحلية ويثني على لباس نساء مياو المطرزة بالألوان البراقة وغطاء الرأس الفضي المرتفع، ولا شك أن الأشخاص مثل "هي" يحركون طفرة السياحة الصينية للأقليات العرقية التي تجلب المال للمناطق الإثنية الفقيرة وتنعش تقاليدهم التي تتعرض للذبول، لكنها يمكن أيضاً أن تشجع الروح التجارية وانتشار النظرة النمطية. "هي" في الأربعينات من عمره ويأتي من شمال الصين، وهو يقر بأن طوفان السياحة في مناطق الأقليات الأخرى أدى إلى إضعاف طابعها الأصيل، وهو يقول بنوع من الأسى "بالنسبة للذين وصلوا إلى جويزو في مرحلة مبكرة، وشهدوا بساطتها، لا أعتقد أن طرق الحياة التقليدية ستظل موجودة بعد سنوات قليلة من الآن". ثلث سكان جويزو، وهي واحدة من أفقر مناطق الصين، هم أعضاء من بين 55 مجموعة من الأقليات المعترف بها في الصين، وكان "هي" يشاهد احتفالاً كبيراً لجماعة المياو في بلد جوكسي. نساء تغطي رؤوسهن الأزهار والشرائط التي تتدلى من الخصر يتمايلن في حركات إيقاعية متناغمة، في الوقت الذي يعزف فيه الرجال ألحاناً مثل موسيقى القرب، وهناك صفوف من الأزياء المحلية التقليدية للزائرين الذين يرغبون في أن تُلتَقط لهم صور وهم يرتدون هذه الأزياء. تقول وانج آهوا، وهي خياطة عمرها 39 سنة ولا تستطيع الكتابة، إنها تتمتع بازدياد الطلب على الأزياء التي تقوم بخياطتها، حيث تتجاوز الأسعار الآن 1600 دولار، مضيفة أن الناس لم ينظروا إليها نظرة دونية، بل كانوا سعداء ومهذبين للغاية. "أنا سعيدة أنهم يأتون إلينا". وخلال السنة الماضية توسعت السياحة الداخلية الصينية بنسبة 10 في المائة، حيث قام الصينيون بما مجموعه 3.3 مليار رحلة داخل بلادهم، ما أدى إلى دخل بحدود 2.6 تريليون يوان. وتعمل السلطات على تشجيع القطاع، إلى جانب السياحة الإثنية، من أجل توليد الدخل وترويج صورة الصين على أنها تتضمن هذا التنوع السعيد، ورغم أن 92 في المائة من سكان الصين هم من إثنية "هان"، إلا أنه توجد فيها سياسات تفضيلية للأقليات وتشجعهم على الظهور في العروض التلفزيونية والمناسبات السياسية بلباسهم التقليدي. في العقود القليلة الماضية عانت جويزو وأقلياتها بقسوة من النظام الشيوعي الذي فرض المزارع الجماعية، ومن فوضى الثورة الثقافية من ماو تسي تونج، لكنها تسعى الآن إلى الاستفادة من ثرواتها الإثنية، فارتفع دخلها من السياحة بنسبة 30 في المائة في عام 2012 ليصل إلى 186 مليار يوان، وهو ما يزيد قليلاً على ربع اقتصادها. الشركات السياحية التي تعمل في المقاطعة تعرض مجموعة من المشاهدات الإثنية، من النساء اللواتي يرتدين مجوهرات فضية معقدة، والمساكن الخشبية، والباتيك، وعروض الأوبرا، ومهرجان الماء، ومن جانبهم يجلب الزوار معهم المنافع، مثل الطرق الأفضل وهي فرصة لكسب المال من قبل الأهالي، كما يقول جيني تشيو، وهو أستاذ علم الإنسان في جامعة إيموري، الذي أجرى أبحاثاً على السياحة في جويزو. لكن بإمكانهم أيضاً أن يحولوا القرى الهادئة إلى متنزهات مزدحمة بالناس، وهذا يضغط على السكان المحليين للظهور بمظهر الأشكال النمطية التي يتناقلها الناس، ويذكر تشيو أنه إذا أصبح أحد الأماكن وجهة سياحية، فإن الناس الذين يعيشون فيه يصبحون وكأنهم تجمدوا عبر الزمن من أحل المحافظة على "فقاعة الخيال التي يريد السياح رؤيتها". وحتى تتمكن الأقليات بالفعل من حصد المنافع الاقتصادية، فإنها بحاجة إلى أن ينظر إليها على أنها متعلمة وحديثة، كما يقول رضا حزمث، وهو خبير في إثنيات الصين وأستاذ في جامعة أكسفورد. وأضاف حزمث أن الصين لا تقوم بالانتقال من مرحلة معرفة أوضاع الأقليات إلى مرحلة محاولة إدماجهم ضمن المجتمع الأرحب، ونحن بحاجة إلى الوصول إلى هذه المرحلة حتى نشير إلى أن أفراد الأقليات يستطيعون تحقيق إنجازات مميزة، وأنهم يعملون بجد، وأنهم يمتلكون المهارات، وأنهم يجب أن يحصلوا على التوظيف، وأشار إلى أن الزواج بين أفراد من إثنيات مختلفة، وهو علامة على الثقة بين الأقليات، هو حسب التقديرات بحدود 1 في المائة فقط. كانت هناك حالات من التوتر الشديد بصورة خاصة بين أهل منطقة التبت وبين جماعة الأوغور، الذين كانوا يقومون بنوبات دورية من الحرق العلني للذات والهجمات بالسكاكين استجابة لما يقول النقاد إنه قمع ثقافي من بكين. يعتقد أهالي بلدة جوكسي، التي أنشأت ميداناً لعروض المهرجانات قبل بضع سنوات، أن موجات السياح تعمل على تحسين العلاقات بين الجماعات الإثنية، وهناك لوحة جدارية على الطريق المؤدي إلى القرية، يبين نسخاً من رسوم الكرتون تظهر التقاليد الإثنية، مثل الرجال الذين يدقون الطبول ويصارعون الثيران. ويري تشينج مينجوو، وهو من أهالي جوكسي ويبلغ عمره 21 عاماً، وراقص من جماعة المياو، أنه "أمر طيب أن تجعل أصدقاءنا الصينيين يتعرفون على ثقافتنا. لقد تطور اقتصادنا، ونحن نحصل على نوع من الدعاية والإعلام". لكن وانج جيجون، البالغ من العمر 46 عاماً، يشعر بالقلق من أن جوكسي يمكن أن تقع فريسة للهبوط التجاري الذي وقعت فيه قرية مجاورة تدعى تشيجيانج، فقبل خمس سنوات لم تكن هناك سيارات تصل إلى تشيجيانج، لكن الأسعار ارتفعت وهم يأتون بالفنانين المحترفين من الخارج. ولم يكن بمقدور أهل المنطقة العثور على وظائف سوى العمل كعمال نظافة وكثير من سكان جوكسي غادروا جويزو للعمل. ويقول جيجون إن ابنيه، وعمرهما 18 و20 سنة، يعيشان على بعد 940 كليومترا عنه، مضيفاً أنه لا يوجد في تشيجيانج ما يستحق الرؤية. كما أن أسعار الطعام مرتفعة، ونوعيته سيئة، ولا يوجد شيء جيد هنا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية