العالم

«الإخوان المسلمون» .. من السياسة إلى حروب الشوارع

«الإخوان المسلمون» .. من السياسة إلى حروب الشوارع

«الإخوان المسلمون» .. من السياسة إلى حروب الشوارع

«الإخوان المسلمون» .. من السياسة إلى حروب الشوارع

أثناء البحث "العصبي" من قبل واشنطن عن "معتدلين" من الحركات الإسلامية، تعثرت في الإخوان "المسلمين"، حينما كان كثيرون يظنون أن عقد شراكة سياسية بين واشنطن و"الجماعات الإسلامية" خيارات بعيدة الاحتمال. شجعت واشنطن ما اصطلح عليه "الربيع العربي" ودفعت بقوى "الإسلام السياسي" نحو القيادة السياسية لتلك الدول متمثلة في "الإخوان المسلمين"، وأبرزها مصر بطبيعة الحال. اليوم، بعد حكم "الإخوان" الذي لم يدم أكثر من عام، الذي انتهى بقرار شعبي ضمن مظاهرات عارمة، تماهت معها المؤسسة العسكرية، حدث تحول غير مسبوق في تعامل "الإخوان" مع الواقع السياسي الجديد. انخراط القواعد الشعبية لجماعة "الإخوان المسلمين" فيما يشبه حرب الشوارع اليومية في مصر، سابقة على مستوى سلوك الجماعة السياسي، الذي كان يعتمد العنف أو الاغتيالات كعمليات محدودة ومنظمة، فيما يكتفي بأن يكون "الظل العالي" في حالات أخرى لجماعات العنف المسلحة المنبثقة منها مباشرة أو المتأثرة بأدبياتها. فقبل سنوات أثار تصريح مرشد جماعة الإخوان السابق مهدي عاكف جدلاً واسعاً، أشار فيه إلى أنه يعتبر زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن "مجاهدا" وأنه "لا يشك في صدقه في مقاومة الاحتلال تقربا إلى الله". يقول الأكاديمي حمدي أبو العينين، عميد كلية الإعلام في جامعة مصر الدولية في حديثه لـ "الاقتصادية السياسية"، "سلوك الجماعة يتغير بحسب تغير الظروف، "الإخوان" اليوم يائسون أكثر من أي يوم مضى، هم يعون جيداً أنهم باتوا خارج اللعبة السياسية، لكنهم يريدون أن يكون ثمن خروجهم هذا باهظاً، خصوصاً أن هناك قوى خارجية وداخلية لديها استعداد لأن تدفع لهم ثمن فاتورة العنف، الذي تحول إلى مواجهة كاملة مع الدولة بكل مؤسساتها. #2# فمن الطبيعي أن ينتقل العنف من شكله المنظم في حقب سابقة، القائم على الاغتيالات السياسية الفردية، إلى عمل منظم آخر يستغل فيه قواعدهم الشعبية". ويضيف "الإخوان اليوم جماعة متعددة الأذرع خارج مصر، بلد الجماعة الأم، ونهايتها في مصر يعني إطفاء الشعلة المتبقية التي يتلمس بها "إخوان" الخارج طريقهم، العنف الذي يمارسه "إخوان" مصر خدمة حقيقية للفروع في المقام الأول". يرى عديد من الباحثين المهتمين بقراءة التاريخ السياسي للجماعة أن "العنف" يستخدم من قبلها كأداة ولكن ليس كغاية، وهذا ما يفسر انشقاق جماعات عديدة من جماعات العنف المسلح على امتداد العالم العربي، التي تتبنى العنف كغاية ووسيلة للمآرب السياسية. في ورقة بحثية قدمها روبرت س. لايكن رئيس قسم دراسات الهجرة والأمن الوطني في مركز نيكسون وزميله ستيفن برووكه، تحت عنوان استفهامي "الإخوان المسلمون.. حلفاء محتملون للغرب"؟ يشير الباحثان في سرد تاريخي لسلوك الجماعة "ظهر "الإخوان المسلمون" في الجزء الأدنى من الطبقة الوسطى، لكن الأسلمة داخل شرائح الطبقة الوسطى اجتاحت سريعاً الشرائح النافذة، وتمكنت من الدخول إليها، وفي الوقت ذاته شكّل "الإخوان" مجموعة مسلحة خاصة على غرار شباب مصر ذوي القمصان الخضراء، لحزب الوفد كانت القمصان الزرقاء، وللنازيين وللمجموعات شبه العسكرية الأخرى القمصان البنيّة، وفق ما شاع بين الناس في الشرق الأوسط في ذاك الوقت". هذا الملمح التاريخي في تكوين المجموعات المسلحة، يتقاطع في صورته العامة مع أغلبية الحركات "الأممية" يسارية النزعة التي كانت منخرطة في الحياة السياسية، لكن في داخلها جيوب جاهزة لحمل السلاح عندما تعجز السياسة عن تحقيق أهداف الحزب السياسي أو "الجماعة". #3# يضيف الباحثان "لكن معلّقين كثراً يطرحون سؤالاً محقّاً عن مدى إيمان "الإخوان المسلمين" بالديمقراطية، وما إذا كانت الديمقراطية عندهم فقط "تكتكة"- إنّه واجب الشكّ في هذا الذي يدعوه برنارد لويس: "شخصٌ واحد، صوت واحد، ولمرّة واحدة". خلف هذا التحذير تكمن مادة تاريخية ضخمة حول منظمات مماثلة كانت قد قطعت على نفسها عهوداً بالديمقراطية، قبل أن تغيّر نظرتها عندما تولت الحكم، فقد فعلها البلشفيون، والنازيون، وحزب البعث في العراق وسورية، وبينهم ومعهم الناصريون أيضاً. هناك قليل مما يوحي بأن "الإخوان المسلمين" فكروا فيما سيفعلون فيما إذا أتوا للحكم. فهم يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" ويتقدمون ببرامج وخطط ضحلة ومسطحة عما ستكون عليه حكومتهم الإسلامية المزمعة، تماماً مثلما كان التسطيح والضحالة هما السمتان السائدتان في منهج لينين". والحال، أنه ليس سراً أن فروع "الجماعة" أيضاً لديها علاقات مهمة مع تنظيم "القاعدة" وتنظيمات جهادية تقليدية. ففي اليمن على سبيل المثال يلاحظ المراقبون تداخل مصالح واضحا بينهم وبين تنظيم "القاعدة". فالإخوان في اليمن جزء من السلطة والمفتاح التفاوضي مع جماعات العنف. والسودان استضاف أسامة بن لادن برهة من الزمن، وكان يعقد صفقاته السياسية على أراضيه. وفي تونس توجه الأحزاب اليسارية نقداً قاسياً لحزب النهضة "الإخواني" متهمة إياه بإطلاق يد الجماعات السلفية والجهادية، ليظهر في ثوب "المعتدل" في غابة من التطرف. الكاتب نجيب جورج عوض، يلفت النظر إلى زاوية أخرى في الشخصية الإخوانية ما بعد "الربيع العربي"، لكن قبلاً يؤكد أنه "حتى فترة قصيرة جداً مضت، كان عندي إيمان حقيقي بقدرة "الإخوان المسلمين" الإيجابية على الانخراط في العمل المدني والعام ورغبتهم البناءة في أن ينضجوا سياسياً ويتعلموا من أخطائهم كيف يتحولون إلى لاعب واعد جداً في العالم العربي". ثم يعود ليستطرد "لا يسع المراقب الموضوعي إلا أن يعترف بأن "الإخوان" هم أصحاب المسؤولية الأولى والأساس (إن لم تكن الوحيدة أو الأخيرة) فيما يحصل، فهم اتبعوا أسلوب النظام السوري ذاته بحرفيته، بأن جرُّوا الحكومة والشرطة لاتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة البلد إلى وضعه الطبيعي. رفضوا، كما رفض النظام السوري، كل الحلول السلمية والحوار، وركنوا بشكل علني وواضح، وبغض نظر فاضح من كل الدول الغربية، إلى الدم والعنف والموت، وقالوا "نحن نريد أن نجر مصر إلى الدمار والموت، فهو لغتنا وأسلوبنا الذي نحترفه". كل المعطيات تفيد بأن "الإخوان" في مصر، سواء عن وعي أو عدم وعي، عن قصد أو من دون قصد، يستنسخون منهجية النظام السوري بامتياز ويدفعون لها. وشعار "الأسد أو نحرق البلد" صار في مصر "الإخوان أو ندمر مصر". إذا كان من تساؤل لدى الإعلام المصري اليوم، هو "هل يمكن عقد مصالحة سياسية مع "الإخوان" اليوم بعد كل هذا الدم، وبعد تصنيفهم كجماعة إرهابية"؟ بالعودة لأبو العينين يرى أن "لا مصالحة مع هذه الجماعة، ما لم تسأل نفسها "أين أخطأنا"؟ فالمصالحة لن تتم دون مراجعات حقيقية لدى الجماعة تتخلى فيها عن منهج العنف. ومساعيهم لدولة أممية غير مقبولة. فظهور الجماعة على المشهد اليوم كان نتيجة فائض الإحباط الذي شكلته التجربة الناصرية والبعثية في سورية وغيرها، واليوم غدت هي بدورها أحد عوامل الإحباط". ويختم مداخلته بقوله " قناعتي أن "الإخوان" لن يعودوا مرة أخرى للحياة السياسية، لكن الأكيد أيضاً أنها لن تموت بسهولة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم