العالم

استراتيجية الأسد الثلاثية .. حرب العصابات وهجمات كيميائية محددة وقصف جوي

استراتيجية الأسد الثلاثية .. حرب العصابات وهجمات كيميائية محددة وقصف جوي

بعد مرور ثلاث سنوات على الحرب، استطاع النظام السوري استعادة الأراضي التي فقدها من الثوار شيئاً فشيئاً، وذلك بالاعتماد على نصيحة الخبراء الإيرانيين والروس وكذلك الخبرة العسكرية التي قدمها حزب الله والمجموعات العراقية الشيعية المتحالفة مع إيران. ويضيف إلى ذلك الباحث يزيد صايغ في تقرير له أصدره لمؤسسة كارنيجي في الفترة الأخيرة بعنوان "نظام الأسد يكسب الحرب على نظام النقاط": "دعم النظام مواقعه في الشمال، وهو في وضع جيد لصد الثوار المتقدمين من الجنوب". اعتمد نظام الأسد في تقدمه على الثوار على سياسة فعالة لها ثلاثة محاور. الأول هو تدريب جيشه التقليدي على حرب العصابات (guerilla) وتشكل ميليشيات لقتال المهاجمين. ثانياً، اعتمد على استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية بتوقيت دقيق، وثالثاً اعتمد على الضربات الجوية الهائلة التي كانت مميتة للمدنيين. ويؤكد الجنرال وهبي قطيشة، الخبير العسكري اللبناني على ذلك بقوله: "استخدمت آخر إستراتيجيتين لترهيب السكان الذين يدعمون الثوار وكسر الروابط بينهم". دعم الأسد كتائب جيشه النظامي بمليشيات جديدة، أغلبها مكون من العلويين والشيعة الذين دربهم في إيران وكذلك على أيدي حزب الله. يقول الباحث جوزيف هوليداي في تقرير له بعنوان "الأسد من التصدي للثوار إلى الحرب الأهلية": "دفع الخوف من الانتقام بالموالين التقليديين للنظام والقوات شبه العسكرية للتلاقي على الهدف المشترك وهو البقاء على قيد الحياة، الأمر الذي أدى إلى تكوين قوات متماسكة واسعة أغلبها من العلويين المتميزين بالوطنية المتطرفة". في بداية الحرب، تعرضت القوات السورية إلى خسائر كبيرة في القصير، وهي بلدة واقعة على الحدود مع لبنان. كانت قوات النظام غير مستعدة لحرب العصابات العنيفة التي شنت ضدهم في تلك المنطقة بالذات. ولكن كان تدخل حزب الله في معارك القصير هو الذي سمح بالتغير النوعي في الحرب. وقد ذكر "أبوعلي"، وهو قائد في حزب الله في مقابلة أجريت معه سابقاً، بأن خبراء حزب الله كانوا قادرين بشكل أفضل على القتال بتقنيات حرب العصابات التي استخدمها الثوار الذين اعتمدوا على شبكات من الأنفاق والمفخخات الموضوعة في المباني، ومن المفارقة أنهم تعلموا هذه الإستراتيجيات من حماس، التي تدرب الكثير من أعضائها في إيران. وبعد هذه المعركة أصبح نظام الأسد متنبهاً للحاجة إلى جيش تكون من أولوياته حرب العصابات، وهو ما أدى إلى مسارعة الحكومة السورية بإرسال أعضاء من ميليشياتها للتدرب على القتال في حرب العصابات في قاعدة سرية في إيران، وذلك حسب تقارير نشرتها وكالة "رويتر" في العام الماضي. وقد سبق لهؤلاء المتدربين أن قالوا في ذلك الوقت إن أغلب رجالهم ينتمون للطائفة العلوية وأنهم جاؤوا عن طريق الجو من قاعدة جوية في اللاذقية موطن الأسد الأصلي إلى مطار طهران الدولي قبل نقلهم إلى موقع لم يكشف النقاب عنه. وقال المتدربون إن بعضهم تدربوا كقوات أرضية على حرب العصابات باستخدام البنادق الآلية والمدافع المحمولة المضادة للطائرات، بينما تدرب آخرون ليكونوا قناصة. قال أحد المتدربين لوكالة "رويترز" إن المساق التدريبي الذي دام 15 يوماً كان على حرب المدن. يُظهر التدريب الذي تلقاه المقاتلون السوريون تشابهاً كبيراً مع الذي تلقاه أفراد من حزب الله، وذلك حسب حديثهم مع "الاقتصادية السياسية". وكمثال على ذلك حضر "أبوعلي" جولات تدريب في إيران حيث تأسس على حرب العصابات باستخدام مدن مزيفة. ويؤكد قطيشة أن "بعض المقاتلين السوريين أيضاً يتلقون في الوقت الحاضر تدريباً من حزب الله في لبنان أو في القصير قبل ذهابهم إلى إيران لتلقي المزيد من التدريب". أكد هذه المعلومات "أبوعلي"، حيث قال هذا القائد المنتمي لحزب الله في مقابلة أجريت معه سابقاً إن عدداً من وحداته كانوا من الأعضاء المتدربين في معسكر تدريب خاص يدعى الثكنة رقم 881. وأضاف: "كما تحولت منطقة القصير إلى مركز تدريب، حيث كنا نشكل المقاتلين السوريين". وأضاف: "وقد وزعنا بالفعل قوة مكونة من 300 رجل أغلبهم من السوريين الذين أصبحوا الآن تحت قيادة سورية مباشرة". كما أعلنت وكالة إخبارية سورية، وهي داماس بوست، أن الجيش السوري أصبح يستخدم وحدات الكمائن التي تقود كتائب الجيش، الأمر الذي سمح بالتقليل من خسائره. وحسب وكالة داماس بوست، فقد سمحت هذه الإستراتيجية للجيش السوري بإحباط العديد من هجمات جبهة النصرة، خاصة في مناطق عين البيضة والكسوة والكيارة، ما أدى إلى مقتل 130 شخصاً وجرح 60 آخرين. أما إستراتيجية الأسد الثانية فتكمن في الاعتماد على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية على الرغم من الحظر الذي جرى التصويت عليه في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي في الأمم المتحدة الذي كانت نتيجته تدمير نحو ثُلثي مخزون الأسلحة الكيميائية السورية. جاء ذلك التصويت إثر عدة هجمات بالأسلحة الكيميائية في أجزاء مختلفة من البلاد، كانت ذروتها في منطقتي جوبر والغوطة، حيث وجد مفتشو الأمم المتحدة عدة آثار تدل على وجود غاز السارين، وهو الهجوم الذي أدى إلى مصرع أكثر من 1400 شخص. وقال العميد زاهر الساكت، الرئيس السابق لبرنامج الأسلحة الكيميائية لنظام بشار الأسد، في مقابلة أجرتها معه صحيفة التليغراف، إنه يعتقد أن الأسلحة الكيميائية استخدمت 34 مرة في الحرب في سورية، وليس فقط في الـ 14 مناسبة التي أشارت إليها وكالات الاستخبارات العالمية. الحكومة السورية، التي فشلت في الالتزام بالموعد النهائي الذي وافقت فيه على إزالة جميع المواد الكيميائية، وهو الخامس من شباط (فبراير)، عادت وأعلنت أنها توافق على إزالة الأسلحة بحلول نهاية نيسان (أبريل). ويضيف الخبير العسكري السيد قطيشة من ناحيته: "إن نظام الأسد يختلق المعاذير لتأخير التخلي عن ترسانته من الأسلحة الكيميائية. وهو يلجأ الآن إلى هجمات في أوقات معينة مستخدماً أنواعاً مختلفة من المواد الكيميائية التي يصعب إثبات استخدامها أو التحقيق في ذلك الاستخدام". وقد وردت تقارير في عدد من وسائل الإعلام عن مثل هذه الهجمات في الأسابيع الأخيرة. وقد أشار تقرير بثته قناة "العربية" إلى استخدام نظام الأسد غازات سامة في هجمات شنها على ضاحية حرستا في شرق دمشق. ويقول الثوار إن هذه هي المرة الرابعة التي تستخدم فيها قوات الأسد الأسلحة الكيميائية في الشهر الماضي. كما صرح نشطاء في المعارضة بأن طائرات مروحية ألقت غاز الكلور على القرية التي استولى عليها الثوار "كفار زيتا" في الشهر الماضي. ولكن مع ذلك يصعب جداً التأكد من دقة هذه التقارير. أما الأداة العسكرية الثالثة التي استخدمها الأسد فهي الاعتماد على القصف الجوي المكثف للعديد من المناطق مثل حلب أو منطقة القلمون. كانت المناطق السكنية والأسواق من بين المواقع التي استهدفت في هذه الحملة. يفسر السيد قطيشة ذلك بقوله: "استخدم هذا الأسلوب لإجبار السكان الذين يدعمون الثورة على طرد الثوار خوفاً من الانتقام منهم". وفي الحقيقة صرح القائد في حزب الله "أبو علي"، إن قواته اعتمدت في القلمون إستراتيجية مختلفة عن التي استخدمت في القصير، فقد استخدمت في هذه المرة الأسلحة الثقيلة وكذلك قاذفات الصواريخ مثل الصواريخ الإيرانية مثل الرعد والزلزال والفتح لتجنب حرب العصابات بقدر الإمكان، وللحد من الإصابات في صفوف قوات النظام السورية. وكانت وحداته تتلقى المساندة من القصف الجوي. كما اعتمدت قوات الأسد أيضاً على استخدام البراميل المتفجرة التي تحملها الطائرات المروحية في مناطق سورية مختلفة مثل حلب. والبراميل المتفجرة هي براميل مملوءة بالمتفجرات والقطع المعدنية. يُمكن لهذه القنابل أن تحدث أضراراً هائلة، وتسبب إصابات عالية بين السكان المدنيين. وهي تُحمل على متن الطائرات المروحية العسكرية وتدفع خارجاً من الباب الخلفي للطائرة. يقول ضابط في الجيش اللبناني اشترط عدم ذكر اسمه: "الجاذبية في هذه البراميل المتفجرة هي أنها مدمرة ويمكنها أن تُسَوِّي عمارة بأكملها بالأرض"، وهو الأمر الذي يسهل من استهداف مواقع الثوار. هذه الإستراتجية القائمة على ثلاثة محاور سمحت لنظام الأسد بأن يتمتع بالمتانة في وجه الهجمات. لكن يعتقد صايغ أن نظام الأسد سيواجه أكبر تحدياته بمجرد أن يبدأ في التصدي للمهمات الحرجة حول التكامل السياسي في مرحلة ما بعد النزاع، وكذلك إعادة تأهيل المؤسسات والإعمار الاقتصادي. ويقول: "عند تلك المرحلة فإن السبل التي استخدمها النظام للمحافظة على وجوده لن تكون كافية. والواقع أنها ستشكل أكبر العقبات التي لا يمكن التغلب عليها. استطاع نظام الأسد النجاة حتى الآن بسبب لجوئه إلى الأعمال الوحشية التي أعطته القدرة على الصمود في وقت الحرب. لكنها ستكون هشة بصورة مميتة في أعقاب الحرب".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم