Author

خذ «الآيزو» واعمل كما تشاء

|
استأثرت إدارة الجودة في وقتنا الحاضر باهتمام عالمي متزايد وحق لها ذلك فهي العنصر الأساس والمحور الرئيس في التمييز بين مستوى المنتجات والخدمات محلياً وعالمياً، وبالذات بعد انطلاق سفينة منظمة التجارة العالمية WTO وتطبيق اتفاقياتها المختلفة مما أدى إلى انفتاح الأسواق وحرية التجارة والمنافسة الحادة والجادة بين المنتجات أو الخدمات في سوق لا يبقى فيه إلا الأقوياء ولا يعترف بالضعفاء.. ولقد تعددت منهجيات وأدوات الجودة والتي من أشهرها سلسلة المواصفات العالمية التي يطلق عليها سلسلة "الآيزو" ISO والتي قامت بإصدارها المنظمة الدولية للتقييس من أجل المساهمة النوعية في التنمية الاقتصادية كمواصفة إدارة الجودة "آيزو9001" والبيئة "آيزو 14000"، وأمن المعلومات "آيزو 27001"، والمسؤولية الاجتماعية "آيزو 26000"... إلخ. إن أهم وأشهر هذه المواصفات على وجه الاطلاق هو نظام إدارة الجودة "آيزو 9001" التي تم تدشينها عام 1987 وتحديثها ثلاث مرات آخرها عام 2008، وننتظر التدشين الرسمي لنسختها الخامسة 2015. وهي مواصفة عامة تهتم بجودة نظام الجودة للمنشأة ولا تعني بحال من الأحوال جودة المنتج الذي تقدمه. وقد نالت المواصفة قبولاً عالمياً كبيراً وإقبالاً بارزاً، حيث وصل عدد الشركات الحاصلة عليها في العالم قرابة مليون و100 ألف شركة في نهاية 2012هـ، وقد حصلت الشركات الصينية لوحدها على النسبة الأكبر عالمياً بمقدار27 في المائة تقريباً، بينما لم تحصل الدول العربية في مجموعها إلا على أقل من 1 في المائة! وتكمن أهمية حصول المنشأة على شهادة "الآيزو9001" وتطبيق متطلباتها في العديد من الفوائد من أهمها ما يلي: 1. وضع الأسس الرئيسة لجودة النظام الإداري للمنشأة والمسمى بتوكيد الجودة وبالتالي رفع مستوى أدائها إدارياً وفنياً. 2. زيادة القدرة التنافسية للمنشأة عن طريق تحسين صورتها لدى المستهلك وزيادة مستوى رضا العملاء ومساعدتها على طرح منتجاتها في الأسواق العالمية. 3. توفير وتطوير مجموعة متكاملة من الوثائق التي تمثل الدليل الإرشادي للإجراءات الإدارية والفنية والمساهمة في تحسين أداء جميع العمليات بصورة مستمرة. 4. تمكين المنظمة من القيام ذاتيًا بعمل التدقيق والمراجعة الذاتية، والاستفادة من التدقيق والمراجعة الخارجية مما يؤدي إلى تطوير مستوى الجودة وتحسينها للمنتجات أو الخدمات المقدمة. ومنظومة "الآيزو" كغيرها من النظم التي شابها العديد من المفاهيم والممارسات الخاطئة مما أدى وبصورة جلية الى خلل في التصور والتطبيق والنتائج المرجوة منها، أسهمت في وجود صورة ذهنية سلبية بعدم جدوى المواصفة حتى أصبح البعض يتندر على حال نظام "الآيزو" فيقولون "الآيزو للي عايزو" وبعضهم يقول "خذ الآيزو واعمل زي اللي أنت عايزو!". إن من أبرز معالم وأسباب الخلل في وجهة نظري تتلخص في ثلاثة مظاهر وهي كالتالي: 1. قصور في التشريعات والقوانين في نظام الاعتماد الوطني، فعلى الرغم من وجود لجنة اعتماد وطني أطلقت في نهاية عام 1428 هـ إلا أنها غير مفعلة ولديها قصور كبير في أدوارها ومهامها المأمولة وشموليتها لجميع العناصر المشاركة في عملية اعتماد ومنح المواصفات القياسية للمنشآت والاستشاريين والمنظمات المانحة تضمن النجاح المستدام للمنشآت الوطنية وتساعد الاقتصاد الوطني في النمو الحقيقي من خلال جودة منتجات المنشآت أو خدماتها. ومع الأسف لم تقم في السابق الهيئة السعودية للمواصفات والجودة بهذا الدور كما ينبغي بل دخلت كمنافس للاستشاريين والمكاتب الاستشارية مما أدى إلى تعارض في المصالح وتضارب وتداخل في الجهود والأدوار. إن من القصور الملاحظ عدم وجود أنظمة وقوانين رادعة لكل من يخالف الأنظمة المرعية دولياً، فمثلاً عدم وضع علامة "الآيزو9001" على منتجات الشركة يعتبر مخالفة قانونية صريحة وغشاً تجارياً وفيها إيهام للمستهلك يستوجب العقوبة ، ولكن مع الأسف لا يزال الأمر على عواهنه! 2. خلل في التصور والتطبيق لدى المستفيد والمجتمع، فأما التصورات الخاطئة عن مواصفة "الآيزو" وبالذات لدى كثير من القيادات الإدارية للمنشآت فحدث ولا حرج، فبعضهم يظن أنها مجرد شهادة يحصل عليها أمام الآخرين باعتبارها موضة وبريستيج للمنشأة، وبعضهم يظن أن الحصول على الشهادة هو نهاية المطاف في جودة المنتج ومتطلبات الجودة، وهذا كله بلا شك غير صحيح لأن مواصفة "الآيزو" هي الخطوة الأساسية في رحلة الجودة في أي منظمة ولابد أن تتبعها خطوات أخرى حتى تصل المنظمة لمزيد من الجودة والتميُّز المؤسسي. وعندما ينحرف هذا المفهوم تجاه منظومة "الآيزو" عن مساره يحصل الإحباط لدى جميع المعنيين وقد يؤدي إلى فوضى في سوق المواصفات فتصبح ورقة تشترى في سوق سوداء، وهذا مع الأسف بالضبط ما هو موجود في بعض مجتمعاتنا العربية. أما الممارسات غير السليمة فكثيرة منها على سبيل المثال التوقف والاكتفاء والاحتفاء بالحصول على المواصفة وعدم الاستمرار في تطبيقها وتحديثها بصورة سليمة، ومن ذلك فورة الحماس لتطبيق الجودة من بعض القياديين ثم التراجع عن ذلك وجعلها أمرا ثانويا. وهذه الممارسات الخاطئة ستؤدي إلى توقف عجلة المنافع التي حصلت عليها المنشأة جراء تطبيقها متطلبات "الآيزو"، وقد يؤدي إلى تدمير كل الجهود التي بذلتها في طريق الجودة والتميُّز، ولذلك ينبغي ألا يكتفى بمجرد الحصول على هذه الشهادة ويجب العمل على استمرارية فعاليتها وكفاءتها ومتطلبات التجديد. 3. ضعف المهنية والممارسات الأخلاقية لدى بعض المستشارين والمانحين. كما هو معلوم تتخذ أغلب المنشآت الراغبة في تحقيق متطلبات "الآيزو 9001" والحصول على شهادتها منهج الارتباط مع أحد الاستشاريين من الأفراد أو بيوت الخبرة في الجودة لمساعدتها بطريقة مهنية في تأهيل المنشأة لتطبيق متطلبات المواصفة مما يستلزم بعض التكاليف المادية التي قد تعتبرها بعض المنشآت كثيرة فتضطر في رأيها للاستعانة ببعض الاستشاريين ــــ تجار الشنطة ــــ الأقل سعراً والذين بعضهم مع الأسف استغل هذه القضية فلا يؤدي المهمة، كما يجب أن تكون ويكتفي بالاعتماد على الوثائق المعدة سلفاً لعملاء سابقين والاستفادة منها بصورة النسخ واللصق، أو تجاوز بعض القوانين والأنظمة وارتكاب ما يخالف أخلاقيات المهنة. وفي الغالب لا تحصل مثل هذه المنشآت على الأثر الإيجابي للمواصفة وتفقد فوائدها. إن الحل للمشكلات والمظاهر السلبية الآنفة الذكر يكمن في وضع الاستراتيجيات الوطنية الشاملة، وسن القوانين التنظيمية الصارمة التي تقوم على نشر ثقافة الجودة ومفاهيمها والمعلومات العلمية الموثوقة في مجال أنظمة الجودة ومواصفاتها بطرق سليمة، وكذلك تنظيم سوق الاستشاريين من الأفراد وبيوت الخبرة بتقديم الاعتمادات اللازمة والتصاريح المهنية بمزاولة الخدمة وإيقاف الممارسات الخاطئة في سوق المواصفات وشهادات المطابقة ومعاقبة كل من يخالف ذلك. وفي الوقت نفسه ومع كل ما سبق ذكره من الخلل في الممارسات والمفاهيم والتنظيمات التشريعية، إلا أن ذلك لا يمنع ولا يقلل من أهمية الاستفادة من مواصفات "الآيزو" كجهد بشري رائع ومنظم ساعد الملايين من المنشآت على تحسين جودة منتجاتها أو خدماتها وإرضاء عملائها.. ولذا فهذه دعوة لكل منشآتنا الوطنية الحكومية والخاصة والمنظمات غير الربحية أن تسارع للحصول عليها كوسيلة لتحقيق الجودة المأمولة.
إنشرها